Sidee Lo Bartaa Luqada Carabiga ll كيف تتعلم اللغة العربية

 

كيف تتعلم اللغة العربية

 

هذه المذكرة   مسودة   كتبها  جامعها  ليتعرف  من خلالها  طلاب  العلم  على كيفية تعلُّم اللغة العربية، ولم يكن قصده منها أن تكون تأليفا، ومع ذلك أحب أن ينشرها بين الناس على حالها لمن أراد أن يستفيد منها. 

كتبها الدكتور / عمر إيمان أبو بكر

1443هـ 2022م

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله، وصحبه وسلم: أما بعد: فإنني أحاول ـ بعون الله ـ في السطور القادمة أن أتحدث عن اللغة العربية، وأهميتها، وطريقة تعلُّمها، وتعليمها، فأسأل الله أن يُوفِّقني لإيضاح ما إليه قصدت، وإليه أرغب في التوفيق.

  اللغة بالنسبة للشعوب

 اللغة تُمثِّلُ للشعوب سمةً تتميز بها عن بقيتها، والتفاهم بها بين الشعب الواحد، وعنواناً على أصالتها، ولساناً تُعبِّر به عن هويتها، وتاريخِها، وأعرافِها، وعادتِها، وسياجاً تحتمي بداخله من الذوبان في الآخرين، وجسراً تَعبُر منه للتواصل مع الآخرين، وحدّاً من هيمنة القوى الكبرى على العالم عن طريق فرض ثقافتها ولغتها على الشعوب الفقيرة.

السبب الباعث على هذه الكلمة في اللغة العربية

السبب الأول: أهمية اللغة العربية، ومكانتها من الشريعة الإسلامية، وهذا سنتحدث عنه لاحقاً في هذه الكلمة.

السبب الثاني: كثيرٌ من طلبة العلم في الصومال حين رأوني أشرح بعض الكتب باللغة العربية يسألونني كثيراً عن طريقة تعلُّم اللغة العربية ظناً منهم أنني أعرف طريقة سهلة للوصول إلى تعلم اللغة العربية من أسهل طريق، وهذا النوع من الأسئلة يتردد عليَّ دائماً.

 ليس غريباً أن يسأل الطلاب عما يدور في خلَدهم من طريقة تحصيلهم للعلوم الشرعية وآلاتها، ولكن الإشكال الذي يواجهني في الجواب على مثل ذلك السؤال المتعلق بكيفية تعلم اللغة العربية هو كيف لي أن أُعلِّم طالباً عبر التليفون طريقة تعلم اللغة العربية بالتفصيل، فلو حاولت أن أتكلَّف في الجواب على سؤال أحدهم، فكيف لي أن أجيب على  الثاني، والثالث، والرابع، وفي كل يوم يزيد العدد، فبذلك يضيع جلُّ وقتي فيما لا يفيدهم كثيراً، فصرت كالمنبت، فلا أرضاً قطع، ولا ظهراً أبقي.

ففكرت في طريقة تُخلِّصُني من تلك الأسئلة المتكررة لأحافظ بذلك وقتي أولاً، وتكون الاستفادة بها أكثر ثانياً، فتوصَّلتُ إلى أن أضعَ مذكرات في المواضيع التي يكثر السؤال عنها، وهي كيفية تعلًّم اللغة العربية، والطريق إلى تحصيل العلم الشرعي، وكيف تكتبُ بحثاً، أو تؤلِّف كتاباً حتى إذا فرغت من ذلك، ونشرتُه بين الناس، فإذا قُدر بعد ذلك أن أحدَ الطلبة سألني عن أحد تلك المواضيع قلت: الذي أعرفه من هذا الموضوع الذي سألتني عنه قد تحدثت عنه في المُذكِّرة الفلانية، فارجع إليها إن شئتَ، فإن وجدتَّ كفايتك، فلله الحمد، وإن لم تجد، فليس عندي غير ما في تلك المذكرة، فعليك أن تسأل من هو أعرف مني بذلك، فأكون بذلك حافظت على وقتي، وأرحت نفسي من الجواب المتكرر في الموضوع الواحد.

طلبة العلم الشرعي في الصومال بالنسبة للغة العربية

إن طلبة العلم عندنا في الصومال في تعلم اللغة العربية بين طريفي نقيض ووسط: الطرف الأول أعطى اللغة العربية كلَّ الاهتمام ،وقدَّمها على بقية العلوم، وقضى معظم عمره فيها، وحتى حين فرغ من تعلُّمها جلسَ لتعليمها والتفنن في تدريسها، ولم يجاوز إلى غيرها من العلوم الأخرى.

فهذا الصنف أحسن من جهة، وأساء من جهة أخرى، أحسن حيث تخطَّى كلَّ الصعاب، وصبَر على تعلم اللغة العربية، وذلك ليس سهلاً على  شخص أعجمي، ولكنه أساء من جهة ثانية حيث عكفَ على اللغة العربية مدة عمره، واتخذها غاية، وكان الواجب عليه أن يعلم أنها وسيلة يُتوصل بها إلى فهم العلوم الشرعية من كتاب، وسنة، وفقه.

الطرف الثاني على العكس من الطرف الأول، فلم يُعِر للغة العربية أيَّ اهتمام، بل رأي أنها مَضيعة للوقت، فصرفَ همَّته إلى تعلُّم العلوم الأخرى من فقهٍ وتفسيرٍ، وحديث دون المرور على اللغة العربية، فهذا الطرف قد أساء في الحالين، في حالِ صرف نظرَه عن تعلُّم اللغة العربية كليةً، وفي حال بدأ بتعلم العلوم الشرعية دون أن يكون له أيُّ إلمام باللغة العربية، فهذا الصنف من الطلبة مهما صرف من الوقت في تعلم العلوم الشرعية، فإنه لا يزال شبيها بالأمي إذ بدون معرفة قواعد اللغة العربية لا تتيسر له تعلم العلوم الشرعية الأخرى.

 أما الطرف الوسط، فهم هؤلاء الطلبة الذين عرفوا للغة العربية أهميتها، وأدركوا أنه بدونها لا يمكن لهم الحصول على العلوم الشرعية، فبدأوا بها، وحين تحصَّلوا على ما يكفيهم منها تجاوزوها إلى العلوم الأخرى مستعينين بها، فجمعوا بين الأمرين، ففازوا على وصول مقصدهم من أقرب طريق، وهؤلاء هم الأغلبية العظمى من الطلبة، فنفع الله بهم الأجيال من بعدهم.

فأحببت في هذه السطور أن أنبه على الطريقة المثلى في تعلم اللغة العربية، ووضعها في المكان اللائق بها بين العلوم الشرعية لنفادى بها الخطأ الذي وقع فيه كل من الطرفين السابقين، نسأل الله التوفيق.

 أولا: اللغة: لغة واصطلاحاً

أما لغة فكما قال السيوطي:«وأما تصريفها فهي فُعَلَةٌ من لَغَوتُ أي تكلمت، وأصلها لُغَوَةٌ ككرة، وقلة وثبة، فلاماتها واوات، وقالوا فيها: لغاتٌ، ولغون»([1]). واصطلاحاً: قال ابن جني في الخصائص: حد اللغة أصواتٌ يُعبِّر بها كل قوم عن أغراضهم.

لفظ اللسان أكثر استخداماً من لفظ اللغة

لم ترد في القرآن كلمة اللغة بل المستعمل فيه بدلا منها: كلمة اللسان من ذلك قوله تعالى: (بلسان عربي مبين) وقوله تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) وقوله تعالى: (لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين) وقوله تعالى: (وإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لداً) وقوله تعالى: (وهذا كتاب مصدق لساناً عربياً لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين) وقوله تعالى: (وجعلنا لهم لسان صدق علياً). وقوله تعالى: ( واجعل لي لسان صدق في الآخرين) وقوله: (ويضيق صدري ولا ينطلق لساني) إلى غير ذلك من الآيات. ولا يحضرني حاليا أن كلمة اللغة وردت في كلام النبي r.

الخطأ في نطق كلمة اللغة عند كثير من الصوماليين

كثير من الصوماليين يُخطئون في نطق كلمة اللغة، فينطقونها بالقاف، ومن أغرب ما وقع لي أن بعضاً من خريجي كليات اللغة العربية، فتحوا معهداً لتعليم اللغة العربية، فكتبوا على باب المعهد (معهد تعليم اللقة العربية) بالقاف. رحم الله من قال:إذا كان رب البيت بالطبل ضاربا . فلا تلم الصبيان فيه على الرقص.

  ثانيا: هل اللغات توقيفية أم وضعية

يتجادل الباحثون عن أصل اللغة، هل هي توقيفية أم وضعية، فيستدل كل فريق بما يدعم به حجته، ومن أقوى ما يستدل به من قال: إنها توقيفية قولُ الله تعالى: (وعلَّم آدم الأسماء كلها) قالوا: هذه الآية صريحة في أن آدم ـ عليه السلام ـ تلقَّى من الله بالوحي معرفة أسماء كل شيء، ولم يكن آدم يعرفها قبل ذلك حتى قيل له: هذا الشيء، اسمه كذا، وهذا اسمه كذا إلى آخر المسميات، قالوا: وفي هذا دليل على أنها توقيفية.

لكن قد يقال: إنا لو سلَّمنا أن هذا دليل على توقيفها في تلك اللغة، فهل فيه دليل على أن آدم عُلِّمَ أسماءُ كل شيء بجميع اللغات، فيكون الدليل حينئذ مطابقاً للمدلول، وهذا بعيد، وليس بمستحيل لأن الله قادر على كل شيء.

ومن أقوى ما يستدل به من قال: إنها مواضعة أننا نرى اليوم لغات جديدة تنشأ، وأخرى تنقرض، فمن علَّم هذه الشعوب المعاصرة هذه اللغات الجديدة، بل رأينا أن اللغة الواحدة تتبدل من حين لآخر بحيث لو عُرض على المتأخرين ما تكلم به أوائلهم لم يفهموها، فهذا دليل على أن اللغات مواطأة، وعلى كل حال فالمسألة كما قيل: مفروضة، ولا أثر لهذا الاختلاف فيها في الفقه، ولا في غيره، ولا يمنع أن يكون بعضُها توقيفاً كالوحي الإلهي للأنبياء، وبعضها الآخر مواضعة من البشر بإلهام من الله إليها، وهو الذي رجحه محمد بن الحسيني بقوله : «وقال أهل التحقيق من أصحابنا لا بد من التوقيف في أصل اللغة الواحدة لاستحالة وقوع الاصطلاح على أول اللغات من غير معرفة من المصطلحين بعين ما اصطلحوا عليه، وإذا حصل التوقيف على لغة واحدة جاز أن يكون ما بعدها من اللغات اصطلاحاً، وأن يكون توقيفاً، ولا يقطع بأحدهما إلا بدلالة»([2]).

وسواء قلنا توقيفية أومواضعة فإن هذه اللغات تدل على قدرة الله، وكمال قدرته في خلق ما يشاء، وإيجاد ما يريد قال ابن عاشور:«والناس متفقون على أن القدرة عليها إلهامٌ من الله، وذلك تعليم منه، سواء لُقِّن آدم لغة واحدة، أو جميع لغات البشر، وأسماء كل شيء، أو ألهمه ذلك، أو خَلق له القوة الناطقة »([3]).

ثالثا: اللغات بجميعها معجزة كونية إلهية

ووجه كونها معجزة إلهية أن لغات العالم لا حصر لها لكثرتها مع أن الناس كلهم تفرعوا من آدم وحواء، بل من آدم وحده كما دل عليه قوله تعالى:(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء…).فمن أين نشأت كل تلك اللغات، وكيف ذلك، بل نشاهد أن اللغات تزاد كل يوم توسعاً حتى قيل لو وُضع ولدان في جزيرة نائية منقطعة، وتُركا لحالهما لأنشآ لغة خاصة بهما يتفهمان فيما بينهما، لأن الله هيأ للإنسان خاصية يقتدر بها إيجاد اللغة التي يتفاهم بها مع غيره ( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون).

 ثم أليس من العجب أن في كل من تلك اللغات جميعَ ما يُحتاج إليه من التعابير، والاستخدامات، فلا تفسير لذلك إلا أن نعترف بأن الله كما خلق آدم من عدم أَلْهَمَ ذريتَه كذلك إلى تلك اللغات من غير سلف، وذلك كافٍ في  الدلالة على قدرته تعالى، قال تعالى: (ومن آياته خلقُ السموات والأرض واختلافُ ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين). بفتح اللام أو كسرها.

قال القرطبي في بيان تلك المعجزة في الآية: «وفيه اختلاف اللغات من العربية، والعجمية، والتركية والرومية … فلا تكاد ترى أحداً إلا وأنت تُفرِّق بينه وبين الآخر، وليس هذه الأشياء من فِعل النُّطفة، ولا من فعل الأبوين، فلا بد من فاعل، فعُلم أن الفاعل هو الله، فهذا من أدل دليل على المُدبِّر البارئ »([4]).

رابعاً: أهمية اللغة العربية

لا يشك أحد في أن اللغة العربية تَنزِلُ من علوم الإسلام  منزلةَ اللسان من جوارح الإنسان إذ لا طريق لفهم علوم الإسلام فهماً صحيحاً إلا من خلال اللغة التي نزل بها الإسلام، وتتبين أهمية اللغة العربية من خلال النقاط التالية:

1 – لأنها لغة القرآن الكريم والسنة النبوية، وهما مصدرا التشريعِ الإسلامي، فلا يصح الأخذُ بهما من دون اللغة العربية.

2 – اللغة العربية جزء لا يتجزأ من الحضارة الإسلامية، وعنصر هام من مقومات الأمة الإسلامية عبر العصور.

3 – اللغة العربية هي همزة الوصل بين المسلمين في مختلف القارات المعمورة، وعددهم يتجاوز الآن ملياراً ونصف مليار، فعلى مَنْ منَّ الله عليه هذه اللغة أن يسعى لتعليمها غيره من المسلمين التي هم بحاجة إليها بكل تأكيد.

جمال اللغة العربية يظهر في معرفة قواعدها

يقبح بالعالم الشرعي أن يلحن في كلامه، ويخطئ في تعبيره، بل إن ذلك يُعرِّض بسقوط هيبته أمام الناس إذا أكثر من الخطأ كما قال الشاعر:

(ويعجبني زيُّ الفتى وجمالُه … فيسقط من عَينيَّ ساعةَ يلحنُ)

ومعرفة العالم من اللغة تمكنه من الإتيان  بالألفاظ على مقدار المعاني التي يريد أداءها حتى قال بعضهم: إن الناس متساوون في فهم المعاني، ولكنهم يتفاوتون في التعبير عنها بألفاظهم، قال الشاعر:

رأيت لسانَ المرءِ رائدَ علمِه … وعنوانَه فانظر بما ذا تُعنْوِن

ولا تعدُ إصلاحَ اللسانِ فإنه … يُخبر عما عنده ويبين

والألفاظ هي ميزان المعاني، فإذا زادت الألفاظ على المعاني خفي منها موضع الدلالة، وإذا قصرت الألفاظ عن المعاني المطلوبة لم يتحقق القصد منها، قال جعفر بن يحيى: إذا كان الإيجاز كافياً كان الإكثار هذراً، وإذا كان التطويل واجباً كان التقصير عجزاً.

خامساً: أقوال العلماء في أهمية اللغة

وكفى اللغة العربية أهميةً أن الله اختارها من بين لغات العالم لتكون ظرفاً وعاء لكتابه الكريم وسنة رسوله، فاللغة العربية لا تساويها لغة أخرى في الفصاحة والبيان بشهادة الله لها في قوله: (ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لو لا فصلت آياته أأعجمي وعربي) وأثنى الله على القرآن بأنه عربي في قوله تعالى: (إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون). أي أنه تعالى أنزله بأفصح اللغات، وأبينها وأوضحها ليسهل فهمه، ومنه قوله تعالى ( وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا).

وقد أوصى أئمة الإسلام عبر العصور الاهتمام باللغة العربية، ومن ذلك  قول عمر بن الخطاب t: «تعلموا العربية، فإنها من دينكم »([5]). وكتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما: «أما بعد :فتفقهوا في السنة، وتفقهوا في العربية، وأَعْرِبُوا القرآن؛ فإنه عربي».

وقال الإمام مالك رحمه الله: «لا أُوتَى برجل غير عالم بلغة العرب يُفسِّر كتاب الله إلا جعلته نكالاً»([6])

وقال الشافعي: «لا يَعلَم مِن إيضاح جُمل علمِ الكتابِ أحدٌ جَهِلَ سعةَ لسانِ العربِ، وكثرةَ وجوهه، وجماعَ معانيه وتفرُّقَها، ومن عَلمه انتفتْ عنه الشُبَهُ التي دخلتْ على من جَهِل لسانَها»([7]).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «إن الله لما أنزل كتابه باللسان العربي، وجعل رسوله مبلغاً عنه الكتاب والحكمة بلسانه العربي، وجعل السابقين إلى هذا الدين متكلمين به، ولم يكن سبيل إلى ضبط الدين ومعرفته إلا بضبط هذا اللسان، صارت معرفته من الدين، وأقرب إلى إقامة شعائر الدين »([8])

وقال الفخر الرازي: «لما كان المرجع في معرفة شرعنا إلى القرآن والأخبار، وهما واردان بلغة العرب؛ كان العلم بشرعنا موقوفاً على العلم بها، وما لا يتم الواجب المطلق إلا به، وكان مقدوراً للمكلف؛ فهو واجب»([9]).

ولأهمية اللغة العربية في حياة المسلم كان الأوائل في صدر الإسلام يعتنون بأولادهم في بداية الطلب بتعليمهم اللغة العربية بفنونها، فكان الواحد منهم يرسل ولده إلى البادية لتلقي اللغة عن أهلها وأخذها من معينها الصافي ممن يتكلم بها سليقة، وهذا الإمام الشافعي قد قضى باكورة حياته في البادية في قبيلة هذيل بما يزيد على عشر سنوات على ما قيل حتى صار الشافعي مرجعاً لأهل اللغة في أشعارها ومفرداتها قال الشافعي: «خرجت من مكة، فلزمت هذيلاً في البادية أتعلم كلامها، وآخذ بلغتها، وكانت أفصح العرب، فلما رجعتُ إلى مكة جعلتُ أنشد الأشعار، وأذكر أيام الناس»([10]).

يقول الأصمعي أحد أعمدة اللغة العربية: ” صححت أشعار هذيل على فتى من قريش، يقال له محمد بن إدريس الشافعي».

سادساً: حكم تعلُّم اللغة العربية

 يرى الإمام الشافعي أن تعلم اللغة العربية واجبٌ على المسلم كوجوب تَعلُّمِ أحكام الصلاة وغيرها من فروض الأعيان قال الشافعي: «فعلى كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جهدُه حتى يشهد به أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبدُه ورسولُه، ويتلو به كتاب الله، وينطق بالذكر فيما افتُرض عليه من التكبير، وأُمِرَ به من التسبيح، والتشهد وغير ذلك،… كما عليه يتعلم الصلاةَ والذكرَ فيها، ويأتي البيتَ، وما أمر بإتيانه، ويتوجه لما وُجِّه له، ويكون تبعاً فيما افتُرض عليه ونُدب إليه لا متبوعاً»([11]).

        قلت: وهذا إدراك عميق لأهمية اللغة ودورها في العلوم الإسلامية لا يكاد يُنقل عن أحدٍ من أهل اللغة مثل هذا ناهيك عن أئمة الفقه، قال الفخر الرازي:  «لأن الشريعة عربية ولا سبيل إلى فهمها إلا بفهم كلام العرب ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب »([12]).

ولأهمية اللغة في الشريعة جَعَل علماء أصول الفقه من شروط المجتهد أن يكون عالماً بأسرار العربية، فقالوا: لا بُدَّ من معرفة التصريف والنحو واللغة.

سابعاً: مميزات اللغة العربية

1ـ إن كل أمة قد أعطاها الله ميزة تختص بها، وتُعرَف بها بين الأمم، وتتقنها أكثر من غيرها، إذن الميزة التي أعطيت العرب من بين الأمم هي الفصاحة والبيان والبلاغة، وقد كانوا يتباهون بها، وبذلك فاقوا فيها حقاً على غيرهم من الأمم.

2ـ تمتاز اللغة العربية على غيرها من لغات العالم بقوتها وفصاحتها وبلاغتها وكثر اشتقاقاتها مما لا يتوفر في أي لغة أخرى غيرها، فلنأخذ مثالا بكلمة (ضرب) إلى كم تتصرف (ضَرَبَ، يَضرِب، اضربْ، ضرباً، ضَاربَ، مُضارِبٌ، تَضارَبَ، متضاربٌ، مَضروبٌ، ضرَّابٌ). هذا كله في كلمة واحدة.

3 ـ أكبر معجزة أعطيت للرسول كانت هي معجزة القرآن الكريم الخالدة إلى قيام الساعة، فتحدَّى الله بها العرب من جنس ما كانوا يتقنونه ويتميزون لأن الله لو تحداهم بغيرها مما لا يعرفون لكانوا مستسلمين فوراً، ولم يروا في عجزهم عن ذلك أي غضاضة في حقهم لأن التحدي وقع على ما لا يعرفونه بخلاف التحدي فيما تميزوا به عن الأمم، وأتقنوه أيما إتقان، ثم يقع التحدي بذلك، ولم يقف الأمر عند هذا الحدي بل طُلب منهم أن يستعينوا بمن شاءوا للإتيان بمثله، فيعجزون عنه جميعاً. قال تعالى: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) ثم نزل التحدي إلى عشر سور من القرآن، ثم إلى سورة منه، ولا يزال التحدي قائماً إلى يومنا، ولم يجرؤ أحد بمعارضته.

الشعب الصومالي وثيق الصلة باللغة العربية من قديم الزمان

        كانت اللغة العربية قبل كتابة اللغة الصومالية من اللغات الرسمية المعمول بها في البلد، بل وأكثرُها استخداماً للمكاتبات بين الشعب في حين أن اللغة الإيطالية والإنجليزية كانتا محصورتين في طبقات معينة من الشعب.

        ومن لم يكن من الشعب يستطيع أن أكتب الخطابات باللغة العربية كان يكتبها باللغة الصومالية لكن بحروف عربية كما هو الحال في اللغة الأردنية  والفارسية، وأنا قد قرأت وثائق فيها خطابات محررة بلغة صومالية مكتوبة بحروف عربية.

        كانت اللغة العربية تشتهر بين طائفتين من الشعب

1ـ الطبقة المثقفة إذ كانت اللغة العربية تُدرَّس في المرحلة الابتدائية حتى أيام الاحتلال في كثير من المدارس بطريقة سليمة، فكان الطلاب في المرحلة الابتدائية يتقنونها تحدثاً وكتابةً، ثم بعد ذلك يتحول الطلاب إلى اللغات الأخرى في المراحل المتقدمة إن شاء.

2ـ الطبقة الثانية: العلماء فقد كانوا يَدْرُسون ويُدَرِّسون العلوم الشرعية بمختلف فنونها باللغة العربية، فبعد فهمهم لها كانوا ينقلونها إلى الشعب باللغة الصومالية.

        كتابة اللغة الصومالية

في عام (1972م) صدر مرسوم من المجلس الأعلى للثورة في كتابة اللغة الصومالية، وفي عام (1973) اعتُمدت اللغة الصومالية لغة رسمية، وأُلزِمَ الجميعُ باستخدامها في الدوائر الحكومية، وأن تكون لغة الدراسة في المدارس، والمعاهد والجامعات، وبذلك فقدت اللغةُ العربية وغيرُها من اللغات الأخرى أهميتَها في الصومال إلا أن اللغة العربية بقيت راسخة عند العلماء في دراسة العلوم الشرعية في الحلقات العلمية في المساجد.

        بعد سقوط الحكومة المركزية عام 1991م.

        نهضت اللغة العربية بعد سقوط الحكومة المركزية من جديد، ولم يكن في البلد كوادر علمية غير كوادر اللغة العربية لأن أصحاب اللغات الأجنبية من الشعب ترك معظمهم البلد، وهاجروا إلى البلدان الأخرى بحثاً عن معيشة أفضل، وبقي الدعاة والمصلحون، فأنشأوا مدارس أهلية من الابتدائية إلى الثانوية بجهود فردية باعتماد اللغة العربية لغة التدريس لتوفر كوادر قادرة على التدريس في البلد وهم الذين تخرَّجوا في الجامعات العربية في العالم العربي، والإسلامي، وانتشرت اللغة العربية بين الطلاب في المدارس، والجامعات، وكلها أهلية، ولو استمرت الوضع على ما كان عليه لتعرَّب الشعب برمته لغةً.

         تَحسُّن الوضع الأمني في الصومال

         بعد تحسن الوضع الأمني في الصومال نسبياً عادتِ اللغاتُ الأخرى وخاصة اللغة الإنجليزية بقوة، فزُحزِحتِ اللغةُ العربية من صدارتها، والسبب في ذلك يعود إلى أن الطلاب في الصومال حين خرجوا لمواصلة دراستهم في الجامعات خارج البلاد، وجدوا أن معظم الجامعات تعتمد على اللغة الإنجليزية، لا سيما التخصصات العلمية، فتلبية لرغبة هؤلاء الطلاب أنشئت مدارس في الصومال باللغة الإنجليزية من الابتدائية إلى الثانوية، فانعكس ذلك سلباً على اللغة العربية.

تواجه اللغة العربية الآن خطراً حقيقياً في الصومال في الوقت الحالي

إن دراسة العلوم الشرعية في المساجد على نظام الحلقات الذي كان صمام الأمان بالنسبة للغة العربية قد ضُعف ذلك جداً، وانتقل طلاب العلم الشرعي إلى الجامعات الشرعية الأهلية ظناً منهم أنها تسد ذلك الفراغ الذي كان يسد نظام الحلقات، ولكن هيهات، فالجامعات الإسلامية تُدرِّس مقتطفات من العلوم الشرعية في مقررات محدودة تنتهي بانتهاء العام الدراسي، وبعدها لا يلتفت الطلاب إليها لأن معظم الدارسين في تلك الجامعات هم طلاب الشهادات، وليسوا طلاب علم، فانتقلت العلوم الشرعية من المساجد إلى الجامعات الأهلية، وارتحل من القلوب الواعية له إلى الشهادات الورقية.

الجامعات الإسلامية والفرص الضائعة

كان من المفترض في الجامعات الإسلامية في الصومال أن تُشكِّل نُقلة نوعية فيما يتعلق باللغة العربية لأن المدرسين فيها، معظمُهم، أوكلُّهم من خريجي الجامعات الإسلامية في العالم العربي، وعندهم قُدرات متفاوتة على تدريس العلوم  باللغة العربية في الجامعات.

ولكن لكسل الأساتذة في الجامعات عن إعداد الدروس باللغة العربية لأن الأستاذ يجد راحته في الشرح باللغة الصومالية أكثر من اللغة العربية، وتزامن مع هذا الكسلِ رغبةُ الطلاب في تدريس العلوم باللغة الصومالية لأنهم لم يستحملوا تَعتعةَ الأساتذة في اللغة العربية، فلو صبر الفريقان على مشاق اللغة العربية لثلاثة أشهر كان للفريقين ما أرادوا.

لهذا لم يكن في الجامعات الإسلامية في الصومالية أي إضافة إلى اللغة العربية على ما كان في حلقات المسجد بل هي نسخة طبق نظام الحلقات في المساجد لا تختلف عنها في قليل، ولا كثير، فغاية ما في الأمر أن الأستاذ في الجامعة يكتب الدرس على الصبور باللغة العربية، ثم يشرحه باللغة الصومالية الصِّرفة، وبعضٌ من الأساتذة يفتح الكتاب المقرر، ويضعه على الطاولة أمامه، فيشرح الدرس المطلوب فيه باللغة الصومالية كما هو الحال في المسجد.

ضياع جهود علماء الصومال بسبب ضعف اللغة العربية

عدم تعلم اللغة العربية تحدثاً وكتابة أضاع جهود هذا الشعب العريق في الإسلام والدفاع عنه، فما دام علماء الصومال قديماً وحديثاً لم يكونوا يُتقنون اللغة تحدثاً وكتابةً، وإنما كانوا يتلقون العلوم الشرعية عن طريق الترجمة ( لَقْبَة ) ولم يكونوا يستطيعون أن يكتبوا رسائل، أو يؤلفوا كتباً باللغة العربية إلا القليل منهم، لهذا لم يُخلِّفُوا للأجيال أيَّ تراث علمي يُذكر إلا الأقل من القليل مما لا يتناسب والجهود التي بذلها علماء الصومال في تعلم العلوم الشرعية تعلماً وتعليماً، فهؤلاء العلماء كما لم يكونوا يستطيعون التأليف باللغة العربية كذلك لم يكونوا يكتبون باللغة الصومالية بعد انتشارها، فالشيخ العالم منهم لا يستطيع أن يُحرِّر خطاباً واحداً لا باللغة العربية، ولا بالصومالية، فهو من جهة عالم، ومن جهة ثانية أمي كتابةً،

وهذا القصور أثَّر في كل مناحي الحياة، فكل تاريخ الصومال ووقائعه التي مرَّ بها الشعب الصومالي صارت شبه مجهولة لعدم تدوينها في يومها، فالناس يتناقلونها مشافهة ردَحاً من الزمن، ثم تختفي من على الذاكرة، ولهذا فالجدل لا زال قائماً في أصل شعب الصومال من أين جاء، كل يذهب به إلى حيث يهواه، وكذلك اسم الصومال، فمن أين أخذ، ومتى دخل الشعب الصومالي في الإسلام، ومتى وصل إلى منطقة القرن الأفريقي وغيرها من الأسئلة المحرجة للشعب الصومالي كله.

فلو أن علماء الصومال اتخذوا قراراً بتدريس العلوم الشرعية باللغة العربية لكان الوضع مختلفاً اليوم ولَوُجد مؤلفات كثيرة في مختلف الفنون يُخلفها هؤلاء الأفذاذ من علماء الصومال كما هو الحال في الشعب المجاور لنا، وهو الشعب الأورومي الذي أغلبيته مسلمة، يتعلمون اللغة العربية منذ البداية تَعلُّماً، ويشرحون بها العلوم الشرعية في حلقات المسجد، ولهذا فطلبة العلم عندهم يُجيدون اللغة العربية تحدثاً وكتابة، فأمكن لهم بسبب ذلك أن يكتبوا، ويؤلفوا في مختلف الفنون العلمية من قديم الزمان وإلى يومنا هذا، وهذه مؤلفاتهم تملأ الآفاق، وقد شاهدت بأم عيني بعضاً من الأوروميين أتوا إلى العاصمة الصومالية، وهم لاجئون فكانوا يَدْرسُون العلوم الشرعية فيما بينهم في المسجد باللغة العربية، وكنا نتعجب من ذلك.

نشر اللغة العربية كانت أمنيتي

وحينما تخرجت في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض ورجعت إلى البلاد أخذت على عاتقي أن آخذ بمبادرة تدريس بعض العلوم الشرعية باللغة العربية، فبدأت يومها بشرح موطأ الإمام مالك باللغة العربية وكان يحضره أعداد كثيرة إلا أن أحداث البلاد لم تمهلني كثيرا، حيث عمت الفوضى جميع أرجاء البلاد، ولم يكن من المتيسر جمع الناس على دروس العلم لانعدام الأمن مع تقطعات كثيرة على الطرق.

العناصر المهمة لتعلم اللغة العربية القراءة

        وقبل الشروع في الحديث عن العناصر التي تساعد على تعلُّم اللغة العربية نحب أن نحدد الهدف الذي نريد الوصول إليه، فنقول: من هو الشخص الذي نستطيع أن نقول: إنه يعرف اللغة العربية، فإذا عرفناه عرفنا المسافة التي تفصلنا عنه للوصول إلى مقامه.

        الجواب: أن يكون الشخص قادراً على مخاطبة الغير باللغة العربية بأريحية دون تتعتعٍ مع مراعاة القواعد العربية في كلامه، ثم لا بد أن يكون لديه أيضا القدرة على التعبير عن المعاني التي في داخله بطرق متعددة، و فوق ذلك يكون متمكناً من قراءة كل مكتوب وفهمه إلا النادر، ثم بعد ذلك أن يكون قادراً أن يكتب باللغة العربية كل ما يريده، من مقالات، و بحوث، وتأليف بأسلوبه هو لابالنقول عن الآخرين.

        ومن خلال ما ذكرنا ندرك أن معرفة قواعد اللغة العربية من نحو، وصرف وبلاغة لا يكون الشخص بها عارفاً باللغة العربية لدليل أن عندنا في الصومال طلاب علم يعرفون علوم الآلة بإتقان، ومع ذلك لا يستطيعون أن يتحدثوا باللغة العربية، وقُلْ مثلا ذلك في تعلُّم الفقه، والتفسير، والحديث، فتلك العلوم تساعد، ولكن ليست هي الأساس في تعلم اللغة العربية، فمعرفة القواعد، والأحكام الشرعية شيء، ومعرفة اللغة العربية شيء آخر.

إذن فلا بد أن نعرف الكتب التي هي الأساس في تعلُّم اللغة العربية، وهي الكتب المؤلفة في الأدب العربي قديماً وحديثاً، وسنتحدث عنها في مكانها بإسهاب بإذن الله.

العنصر الأول: القراءة هي أهم عنصر لزيادة المخزون اللغوي لدى الطالب من دون مساعدة الآخرين له، فهذه الطريقة في تعلم اللغة العربية هي بيد الطالب نفسه، وحتى تكون القراءة مفيدة لا بد من مراعاة أمور فيها:

1ـ التشاور مع أهل الاختصاص لقصد اختيار الكتب المناسبة للقراءة بالنسبة لمستوى الطالب.

2ـ الكتب التي تقرأ تختلف من كتاب لكتاب، ومن فن إلى فن، فالمطلوب في تعلم اللغة العربية هي كتب الأدب دون غيرها من الكتب في العلوم الشرعية، فكتب العلوم الشرعية يُقصد إليها لمعرفة الأحكام الشرعية لا لتعلم اللغة العربية.

3ـ إن الكتب المؤلفة في الأدب العربي تختلف من عصر إلى عصر، فليس بمقدور الطالب في هذا العصر أن يبدأ في تعلم اللغة العربية بكتب الأدب في العصور الأولى، بل عليه أن يتدرج فيها شيئاً، فشيئاً، فالطالب يفهم من أدباء عصره أكثر من غيرهم، وعليه فلا يذهب لقراءة كتب ابن دريد والأغاني لأبي الفرج الأصبهاني، والكامل في اللغة والأدب للمبرد، وأدب الكاتب لابن قتيبة والمقامات للحريري، والبيان والتبيين للجاحظ وغيرها من كتب الأوائل في الأدب.

وإنما يبدأ بقراءة أدب أدباء عصره أمثال عباس محمود العقاد، ومصطفى لطفي المنفلوطي، ومصطفى صادق الرافعي، ومحمود شاكر أخو أحمد شاكر، والروائي نجيب عبد اللطيف الكيلاني، ومن الشعراء حافظ إبراهيم، وأحمد شوقي في آخرين.

وأنا أوصي شخصيا بقراءة كتب  المنفلوطي وخاصة كتابه ( النظرات) وهو مجموع مقالاته التي كان يكتبها للصحف، والجرائد اليومية، ولو أن الطالب قرأ كتاب النظرات مائة مرة لم يخسر شيئا من وقته، فالمنفلوطي يمتاز على غيره من أدباء عصره بسلاسة العبارة، وعذوبة ألفاظه، وروعة صياغته، فهو في هذا الفن فذ، لا يشق له غبار، وكلما سنحت لي الفرصة أعدت قراءته من جديد لأكسب من بلاغته شيئاً، ثم ينتقل إلى الأدباء قبلهم، ثم إلى الذين يليهم، إلى أن يصل إلى كتب الأدب في الصدر الأول من عصور الإسلام لينهل من معينها ما وسعه صدره، وبلغه جهده.

 ملحوظة: ولا يقرأ للمنحطين أخلاقياً كطه حسين، ونجيب محفوظ، ونزار قباني وأمثالهم من التوافه.

متطلبات القراءة كثيرة منها:

 المطلب الأول: القراءة في مكان هادئ لا ضجيج، ولا شواغل فيه، فيقبل الطالب على القراءة قلباً وقالباً، ويعيش مع المؤلف في جوِّه، وكأنك جالس بجنبه يحادثه، فيصغي إلى نصائحه، ويستوعب مغزاه ومقصوده، ويركز على الألفاظ المستخدمة وطريقة تركيب الجمل، وإنشاء العبارة بداية ونهاية، فتنشأ بينه وبين الكتاب علاقة خاصة تجذبه دائما إليه، وعندئذ تتذكر قول المتنبي: (… وخير جليس في الزمان كتاب ).

الناس في هذا الموضوع ثلاثة أقسام:

القسم الأول: قسم لا يستطيع أن يخلو بنفسه، وينفرد عن الناس بل يشعر وحشة، فيبحث عمن يجالسه، ويحادثه من أهل، وأصحاب، ومعارف، فهؤلاء لا حظ لهم في هذا الموضوع، وليصرفوا جهودهم إلى شيء آخر يجيدونه، قال الشاعر: (إذا لم تستطع شيئا فدعه… وجاوزه إلى ما تستطيع) فالجنة أبوابها كثيرة، والأعمال المؤدية إليها كثيرة، وليس باباً واحداً، فأخلص النية فيما أنت فيه حتى تضيف جديداً، أو تكسب معدوماً، وليكن ذلك الشيء ما تحب أن تلقى الله به يوم تبلى السرائر.

القسم الثاني: أشخاص قادرون على القراءة والتفرغ لها، ولكنهم اجتماعيون أكثر من اللازم، ولهم ارتباطات بكثير من الناس يصعب عليهم أن ينقطعوا عنها، فكلما همَّ بالقراءة والتفرغ لها طرقَ صديقٌ بابه، أورنَّ هاتفهُه أودُعي لإنجاز مهمة معينة كان مرتبطا بها، فكلما انتهى من مهمة دفعته إلى مهمة أخرى، فتزداد الشواغل لديه مع مرور الزمن، فيتجاذب فيه الدواعي، فيبقى هكذا حتى يستسلم في النهاية إلى إحداها، وفي أغلب الأحيان أن تلك الشواغل تصرفه عن القراءة حتى ينقطع عنها إلى الأبد.

القسم الثالث: أشخاص منحهم الله القدرة على الخلوة بالنفس، والصبر على القراءة، والتنقل بين الكتب، ومتابعة الجديد منها، فهذا النوع من الطلبة هم الذين يعلو كعبه في العلم، وينمو رصيدهم في اللغة، فإن تصدروا للإفادة نفع الله بهم لأنهم إن تكلموا تكلموا عن علم وبصيرة، وإن سكتوا سكتوا عما لا يعنيهم، فهؤلاء مصابيح أهل الأرض.

المطلب الثاني من متطلبات القراءة: اختيار الكتاب المناسب.

 بالطريقة السابقة، وليس شرطاً أن تكون لدى الطالب في تعلم اللغة العربية مكتبة عامرة بالكتب المتنوعة، فهذا أفضل إن وُجد، ولكن ليس شرطاً بل لو كان عندك كتب قليلة، وقرأت كل كتاب منها مئات المرات حصل بذلك المقصود شريطة أن تقرأ الكتب بتمعن وتدبر، فإذا أشكلت عليه لفظة أو جملة، فاكتبها في الدفتر، ولا تراجعها في ذلك الوقت لأن ذلك يقطعك عن القراءة بل إذا فرغت من الكتاب راجع تلك الكلمات في المعاجم أو اسأل من هو أعرف منك باللغة.

المطلب الثالث: قراءة الصحف والمجلات والأخبار المكتوبة، ونعني بالأخبار المكتوبة أن الإذاعات العالمية كالجزيرة والبيبي سي العربية وغيرهما إذا دخلت موقعهم ستجد جميع ما أذيع من أخبار وتقارير وتحاليل حُوِّلت إلى مادة مكتوبة تقرأها متى شئت وتكررها إن أردت، وهذا المطلب الرابع ميزته أن الطالب بجانب التحصيل اللغوي يستفيد مادة أخرى هي متابعة أخبار العالم ومستجداته، وهي مادة شيقة لا يحس الطالب بالتعب لأنها مرغوبة للنفس، فممكن أن يقرأ كثيراً دون أن يشعر مللاً، ولا تعباً.

المطلب الرابع: القراءة برفع الصوت بحيث يقرع صوتُك آذانَك بكل وضوح، وأما ما يفعله بعض الطلبة من قراءة الكتب بالنظر دون النطق بالكلمة فهذه القراءة لا تضيف له شيئاً في الغالب، فالقراءة بالنظر تنفع المتمكنين من العلوم، أما المبتدأ فلا بد من رفع الصوب بالقراءة، وأنا أضرب لكم مثالاً على ذلك بمن يريد حفظ القرآن، فلو أراد حفظ صفحة من المصحف من طريق النظر إليه فقط دون الصوت فهل يستطيع أن يحفظه، فالجواب: لا، فكذلك تعليم اللغة العربية لا بد من رفع الصوت بها بحيث يسمعها جيداً، ثم لا يكن همك الوصول إلى آخر الكتاب، فالاستكثار من القراءة السريعة لاجدوى منها، بل لا بد أن تقرأ بتؤدة وتدبر، وتعيد المقطع مرات عديدة إذا لم تفهمه على الوجه المطلوب.

ملحوظة: لا بد من الاستمرار على القراءة بصفة مستمرة دون انقطاع، فلا تفيد القراءات العاطفية للطالب، وهي تأتي من أجل حماس للقراءة في أيام محدودة، ثم تنقطع، ثم بعد مدة يعود للمحاولة.

العنصر الثاني مما يساعد الطلبة على تعلم اللغة العربية: الحفظ

الحفظ مطلوب للطالب في بداية طلبه للعلم لأنه يرفع من رصيده اللغوي، ولا بد من مراعاة الأولوية فيه، فلا يحفظ كل ما هب ودب، بل يقتصر على النافع منها على النحو التالي:

1ـ القرآن الكريم، ولا يليق بطالب العلم أن ينشغل بحفظ شيء من العلوم قبل حفظ كتاب الله، فكتاب الله مقدم، وهو أسهل عليه في الحفظ من أي شيء آخر، وحفظ القرآن يرفع صاحبه إلى مقام الملائكة، ففي حديث عائشة عند البخاري في صحيحه «مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة».

قال النووي: « وأول ما يبتدئ به حفظ القرآن العزيز، فهو أهم العلوم، وكان السلف لا يُعلِّمون الحديث والفقه إلا لمن حفظ القرآن، وإذا حفظه، فليحذر من الاشتغال عنه بالحديث والفقه وغيرهما اشتغالا يؤدي إلى نسيان شيء منه أو تعريضه للنسيان» ([13]).

2 ـ ثم بعد القرآن يحفظ من سنة رسول الله r ما وسعته طاقته لأن كلام النبي r عسل، وكلامُه من السهل الممتنع، وفيه من الحِكم ما يقصر دونها البلغاءُ، كيف لا، وقد قال r عن نفسه: ( أعطيت جوامع الكلم ). فكلامه يأتي بعد القرآن في المرتبة الثانية في الفصاحة.

3ـ ثم الشعر وهو ديوان العرب ومرجع من مراجع اللغة العربية، ولا يستغني عنه أحد، فيستكثر من حفظ شعر العرب، ويختار من بينه الأجود، فالأجود، فيبدأ بشعراء الإسلام المنافحين عنه كحسان بن ثابت الأنصاري، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك، وخنساء وأمثالهم من شعراء النبي r، ثم مَنْ قبلهم كزهير بن أبي سلمى، وأصحاب المعلقات السبع، أو مَن بعدهم من مشاهير الشعراء.

4ـ حفظ الحِكَم وأمثال العرب، ففيهما خلاصة تجارب العرب في الحياة، وتمتاز الحكم، والأمثال من بين كلام العرب بالإيجاز، وجزالة اللفظ، ووضوح المعنى. وذلك يُقوِّي الملكة اللغوية عند الطالب، وعلى كل حال، فالحفظ عامل مهمٌّ مساعد للطلبة على رفع مستواهم في اللغة، فكلما استكثر الطالب من المحفوظات زاد مخزونه اللغوي، وقَوِيت مقدرتُه على التعبير لأمرين:

 الأمر الأول: فالشيء الذي يستظهره الطالب عن ظهر قلب، ينشأ بينه وبين الطالب علاقة خاصة أكثر من أيِّ ألفاظ أخرى، ففهمُها أقرب إليه من الألفاظ الأخرى.

الأمر الثاني: بمرور الزمن تخرج تلك المحفوظات من كونها مادة محفوظة في الصدر إلى استخداماته اليومية، وتشكل عنصراً هاماً في تعابيره في الحديث والكتابة، وقيل قديماً: (من حفظ حجة على من لم يحفظ).

العنصر الثالث المساعد على تعلم اللغة العربية: الاستماع

1ـ الاستماع عنصر مهم في تعلم اللغة العربية، وهو أقل تكلفة من القراءة لأن القارئ قد يَتعب من القراءة بخلاف الاستماع، فيستطيع المواصلة لساعات كثيرة لا سيما إن كانت المادة المسموعة شيقة، فيستمع كثيراً دون أن يشعر بالتعب إلا أن الاستماع يختلف عن القراءة لأنه في الغالب لا يستطيع أن يكرره، ثم إن القراءة يشارك فيها النظر والأذن إن قرأها بصوت مسموع له، بخلاف الاستماع فهو يختص بالأذن فقط.

2ـ الاستماع يحتاج أيضاً إلى ما تحتاجه القراءة من الهدوء والتركيز، ثم كتابة ما يشكل عليه من الكلمات المسموعة، ثم البحث عنها لا حقا بعد الانتهاء من الاستماع، وليس كما يفعل بعض الناس من الجمع بين الاستماع والعمل، وهذا لا يفيد كثيراً بل إن ذلك يضر بالعمل والاستماع معاً، فينبغي أن يُخصِّصَ لكل منهما وقتاً غير الوقت الثاني، لهذا قال تعالى (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون).

3ـ الاستمرار في الاستماع دون انقطاع عنه، فيكون لكل يوم نصيب من  الاستماع المبرمج، فلا مانع من تخصيص جزء من الوقت للقراءة والمطالعة، وآخر للاستماع، وآخر للحفظ، وهلم جراً، فكل هذه الأشياء تتساعد ولا تتعارض.

4ـ فكما أن القراءة تحتاج إلى اختيار الكتاب المقروء بعناية فكذلك الاستماع يحتاج إلى اختيار المادة المسموعة، فليس كل قول يستحق الاستماع إليه، بل منها ما يأثم الإنسان باستماعه كالغناء وما يجر إلى الميوعة من الألفاظ.

        المادة المسموعة متنوعة فمنها على سبيل المثال:

ا ـ الانتظام مع الشيوخ في الدروس العلمية باللغة العربية، والطالب يستفيد فيها اللغة العربية دون شعور منه لأن قصده الأول من الدرس هو الجانب العلمي فيها لكنه مع ذلك يتحصل على قدر كبير من اللغة العربية.

2ـ الاستماع إلى الدروس العلمية المسجلة بالأجهزة المختلفة، والآن تيسر ذلك بحيث يمكن للإنسان أن يضعها كلها في تليفونه، فيستمع إليها متى شاء، فالدروس المسجلة ليست في الاستفادة كالدروس المباشرة، فقد ينشغل المستمع عن الدرس المسجل، فيمضي الدرس دون شعور منه بخلاف الدروس المباشرة، فظهور الشيخ وحركاته تُلفت انتباه الطالب وتجذبه إليه، وهو من فوائد التلقي.

3ـ الخطب المنبرية في الجُمع، فالطالب إذا حرص على الحضور إلى الأئمة في خطب الجمعة فإن ذلك يفيد الطالب لأنه يشاهد الخطيب بنفسه، وكيف أنه ينشئ الجمل، ويُنوِّع في الأساليب، وهناك خطب مسجلة لمشاهير العلماء والخطباء في العصر، وأنا قد انتفعت بخطب الشيخ عبد الحميد كشك ـ رحمه الله ـ وكنت أتابع خطبه أولاً بأولٍ في الثمانينات في القرن الماضي، وكانت خطبه تصل إلى العالم الإسلامي، فيستمع الجميع إليها.

        4ـ الاستماع إلى الإذاعات الدولة غير المحلية ومتابعتها لأنه مع متابعة أحداث العالم يتعلم منها اللغة العربية، فهؤلاء المذيعون تم اختيارهم بعناية، وهم ماهرون باللغة العربية متقنون لها على أن يتحاشى النظر إلى الخليعات من النساء إذا كانت الإذاعة مرئية، أما الصوت فلا بأس بالاستماع إليهن إذ ليس في أصواتهن الخضوع المنهي عنه.

        تنبيه: هناك مكتبات صوتية تمَّ فيها تسجيل كُتبِ كثيرة بأكملها بصوت أحد العلماء المتمكنين من اللغة لقصد تقريب العلم، وتيسير الاستفادة من الكتب التي يصعب قراءتها على كثير من طلبة العلم، فهذا مفيد جداً بل يغني عن غيره في هذا المجال، فباب الخير كثير لكن قل المستفيدون منه.

العنصر الرابع من العناصر المساعدة على تعلم اللغة العربية: المحادثة،  ثم المحاورة، ثم المناقشة.

فهذا العنصر الرابع هو الوحيد الذي ينبغي أن يتأخر عن بقية العناصر السابقة لأن الطالب إذا أكثر من القراءة، وازداد من حفظ المتون،  وامتلأت أذنه من الاستماع يكون عندئذ قد تشبع من اللغة في أعماق قلبه، فهو بحاجة إلى استخدامها للتواصل مع الآخرين، فيحاول أن يتحدث بها مع غيره، فيُفضَّل إن أمكن أن يكون الطرف الآخر أعلى كعباً منه في اللغة العربية حتى يرقى إلى مستواه، فأفضل طريقة في التحدث أن تكون بين قوم يتحدثون باللغة العربية الفصيحة بطلاقة، فهذا أنفع عنصر في تعلم  اللغة العربية، فالمتحدثون باللغة العربية مدرسة متنقلة، لكن وجود هؤلاء في هذا العصر عزيز لأن العرب الذين كان من المفترض أن يحافظوا على اللغة العربية بأصولها اعتاضوا عنها بلهجات محلية لا تختلف كثيرا عن العجمية لكن إذا انعدمت وسيلة من وسائل تعلم اللغة انتقل إلى غيرها، فاللغة العربية تحصل بأكثر من وسيلة ـ ولله الحمد ـ وستبقى بإذن الله مرفرفة رايتها على العالم بفضل المعجزة الخالدة المتمثلة في كتاب الله الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد).

 وعلى كل حال فكل من المحادثة، والمحاورة، والمناقشة متقاربة المعنى، وإن كان بينها فروق في بعض الجوانب.

فالمحادثة مفاعلة من الحديث فلا تتم إلا من طرفين فأكثر، والمراد بها التجاذب بأطراف الحديث على سبيل المباسطة، أو تبادل المعلومات بطريقة عفوية  دون قصد مسبق، أوترتيب معين.

وأما المحاورة فهي المجاوبة، والمخاطبة بين طرفين بطريقة إقناعية، ولا يشترط أن يكون بينهما الاختلاف في أصل الموضوع.

والمناقشة هي نوع من المحاورة لكن يغلب عليها طابع البحث عن حلول للمشكلة تختلف فيها وجهات النظر، فيتناقشون فيها للوصول إلى نتيجة معينة عن طريق الإجماع أو الأغلبية.

وعلى كل فالمحادثة مفيدة جدا للطالب الذي يتعلم اللغة العربية لأنها تدربه على استخدام المخزون اللغوي لديه، وتعوده على التنويع فيها بحيث يتكون لديه ملكة في استخدام اللغة العربية دون إعداد مقصود، ولا ترتيب مسبق

بعد تحصيل اللغة العربية

لا يمكن لشخص أن يحيط باللغة العربية لسعتها وكثرة تفرعها في قبائل شتى، فلكل قبيلة منها طريقتها الخاصة بها، قال الإمام الشافعي: «ولسان العرب أوسع الألسنة مذهباً، وأكثرها ألفاظاً، ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غير نبي، ولكن لا يذهب منه شيء على عامتها حتى لا يكون موجوداً فيها من يعرفه، »([14]).

 وعلى الطالب إذا تحصل على شيء من علوم اللغة العربية يحصل به المقصود أن ينتقل إلى غيرها لأن اللغة ليست بغاية بل هي وسيلة، فلا يجعلها غاية.

علوم الآلة وطريقة تدريسها

بعد الحصول على اللغة العربية بمفرداتها يحتاج طالب العلم إلى علمين آخرين، هما عماد اللغة العربية لا غنى له عنهما: وهما علم المعاجم اللغوية، وعلم الآلة من نحو، وصرف، وبلاغة.

أولا: علم المعاجم اللغة

وفائدة هذا العلم: معرفة الكلمات العربية ودلالتها على المعاني المتعددة واستعمالاتها المختلفة، واشتقاقاتها المتنوعة، ومعرفة المحفوظ منها والشاذ، والصحيح منها والمعتل، ومعرفة الغريب منها، والمستعمل، فالمعاجم العربية هي المرجع في اللغة العربية، ومخزن أسرارها، يلجأ إليها الطالب كلما واجهته معضلة، أو انغلق عليه معنى في عبارة، أو أشكل عليه فهم الكلام، فطلاب العلم في القديم كانوا يدرسون المعاجم اللغوية كدراستهم لكتب الفقه والنحو، ولكنهم في الأزمنة الأخيرة تُركت دراستها، واستغني عنها بالرجوع إليها عند الحاجة في معنى كلمة غريبة، أو تفسير جملة، أو معرفة أصل الكلمة من أين اشتقت ونحو ذلك.

وأنا أحبذ أن يُعاد دراسة بعض مختصرات المعاجم اللغوية للحاجة الملحة، فالطلاب في هذا العصر لا يعرفون للكلمة إلا معنى واحداً، وفي أغلب الأحوال يكون لها أكثر من معنى، وقد تدل أحياناً على أكثر من عشرة معاني، ولا طريق إليها إلا بالاطلاع على المعاجم اللغة العربية، وأقترح دراسة مختار الصحاح لمحمد بن أبي بكر الرازي، أو المعجم الوسيط لمجموعة من الأساتذة، فيمتاز على غيره بسهولة الألفاظ، وجودة العبارة، ووضوح المعنى، فهو مناسب لطلاب هذا العصر.

ثانياً: النحو والصرف والبلاغة

فهذه العلوم هي قواعد اللغة العربية، وهي مهمة لطلاب العلم، فلا يستغني عنها أحد، وهذه العلوم تدرس في حلقات العلم والجامعات الإسلامية، كل بطريقته الخاصة.

الطريقة الصومالية في تعلم هذه العلوم

أولا: النحو

الطريقة التي كانت متبعة لدينا والتي أدركتها أنا على مشايخنا في العاصمة مقديشو وفي غيرها من مناطق الصومال.

1ـ الآجرومية

مؤلفها: محمد بن محمد بن آجروم الصنهاجي المتوفى (723هـ)

فالشيخ عندنا يبدأ بتدريس الآجرومية للطبة المبتدئين يعيدها لهم ثلاث مرات على هذا النحو، فيختمها في كل شهر مرة.

أ ـ  المرة الأولى: ترجمة ألفاظها ومعانيها إلى اللغة الصومالية لأن الطالب لا يعرف من اللغة العربية شيئا، فكنا بحاجة إلى تعريفنا بمعنى كلمة ( جاء، وضرب، وذهب).

ب ـ المرة الثانية: يُعيد الشيخ الكتاب مرة ثانية بضرب الأمثلة عليه بالجمل العربية، فيقول في الفعل والفاعل (خرج زيد، وجاء عمرو، وقام علي) وفي المبتدأ والخبر  (محمد قائم، وعلي ذاهب، وزيد قاعد)

ج ـ المرة الثالثة: يعيد الآجرومية لكن بإعراب تلك الأمثلة بطريقة مختصرة كان يقول الشيخ (ذهب علي) ذهب فعلٌ ماض مبني على الفتح، وعلي فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة، ويضيف إلى إعراب الأمثلة شيئا من القواعد المتمثلة في التعريفات.

2ـ  المتممة الأجرومية

مؤلفها: محمد بن محمد بن حسين المعروف بالحطاب الرعيني الطرابلسي المتوفى (954).

ومعها شرح المتممة: لمحمد بن محمد بن عبد الباري الأ هدل، وسماه الكواكب الدرية على متممة الآجرومية.

        وهذه المتممة مع شرحها يدرسها الطلاب الصوماليون في حلقات العلم في المسجد مرتين مع إعراب الأمثلة المتعددة بالتوسع.

3ـ ملحة الإعراب

نظمها القاسم بن علي بن محمد أبو محمد الحريري المتوفى:(516)

هي أيضاً يتم دراستها للطلبة مرتين: مرة بشرح ألفاظها، وإعراب أمثلتها، وفي المرة الثانية: يتم إعراب أبيات الملحة نفسها من أولها إلى آخرها.

4  ـ قطر الندى وبل الصدى

مؤلفه: جمال الدين: عبد الله بن يوسف بن أحمد المعروف بابن هشام الأنصاري، المتوفى ( 761) وهذا الكتاب يعاد دراسته للطلبة مرتين أيضاً.

5 ـ لامية الأفعال في الصرف لابن مالك الطائي

        وهذا الكتاب في الصرف اختاروه في هذه المرحلة قبل ألفية ابن مالك لأن ألفية مالك تحتوي على النحو، والصرف معاً، فرأوا أنه من المستحسن أن يأخذ الطالب لامية الأفعال لتكون له مقدمة في فهم الصرف المتقدم عند ابن مالك في ألفيته.

6 ـ تسهيل الفوائد وتكميل الفوائد المعروف اختصاراً بالتسهيل لابن مالك الطائي صاحب الألفية.

 وهو كتاب عظيم يتفوق على الألفية في جوانب كثيرة، لو لم يكن منها إلا أنه نثر كفى، فكيف، وفيه من الفوائد ما ليس في الألفية، و فوق ذلك معه شرح للمؤلف، وقد توسَّع فيه بذكر إضافات على التسهيل.

ولندرك الفرق بين الكتابين فإليكم مثالا على ذلك بباب هو من أخصر أبواب النحو وهو باب الاختصاص.

 قال ابن مالك في التسهيل مع شرحه في هذا الباب أما المتن فقد قال عنه « إذا قصد المتكلم بعد ضمير يخصه، أو يشارك فيه تأكيد الاختصاص أولاه (أيَّاً) يعطيها ما لها في النداء إلا حرفه، ويقوم مقامها منصوباً اسمٌ دالٌّ على مفهوم الضمير، مُعرَّف بالألف واللام، أو الإضافة، وقد يكون علماً، وقد يلي هذا الاختصاص ضميرٌ مخاطبٌ»

ثم شرح ذلك المتن بقول « الباعث على الاختصاص فخرٌ، أو تواضعٌ، أو زيادةُ بيان، كقولك: بي القاهرَ أعداءَه عزَّ المستجيرُ، وعليَّ أيها الجوادُ تعتمد أيها الفقير، وإنا آلَ فلان كرماء، ونحن العُربَ أقرى الناس للضيف، وأنا أيها العبد أفقر العبيد إلى عفو الله تعالى، وإنا حملةَ القرآن أحقُ الناس بمراعاة حقوقهم، ومنه قول الشاعر: خذ بعفو فإنني أيها العبـ…د إلى العفو يا إلهي فقير.

 ومثله: إنا بني نهشل لا ندعي لأب عنه… ولا هو بالأبناء يَشرينا

ومن وروده علماً قول الزاجر: بنا تميماً يُكشَف الضبابُ، ومن إيلاء الاختصاص ضمير مخاطب قولهم: بك نرجو الفضل» انتهى.

هذا ما قاله ابن مالك في التسهيل وشرحه في حين قال في الألفية عن الاختصاص بيتين هما:

الاختصاص كنداء دون يا … كأيها الفتى بإثر ارجونيا

وقد يُرى ذا دون أيٍّ تلو أل… كمثل نحن العربَ أسخى مَن بذل

فكان الأجدر بطلاب العلم في الصومال قبل الشروع في الألفية أن يدرسوا كتاب التسهيل مع شرحه، ثم بعد ذلك يحسن بهم أن يأتوا إلى الألفية بعدها نظماً، يحفظها الطالب ليستذكر بها القواعد المهمة في فن النحو عن ظهر قلب، وهو المقصود من نظم المنظومات في الفنون المختلفة.

7ـ ألفية ابن مالك لأبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني المتوفي (672).

        والألفية بالنسبة للطلبة الصوماليين نهاية علم النحو عندهم، فيكتفون به مع الاطلاع على شروحه، وخاصة شرح ابن عقيل، فهو عندهم أهم الشروح، ثم شرح ابن هشام الأنصاري (أوضح المسالك).

        ملحوظة: علم الصرف المدروس عندنا في الصومال: هو لامية الأفعال لابن مالك، والقسم الأخير من الصرف في ألفية ابن مالك.

        علم البلاغة من المعاني والبيان والبديع

        كنا ندرس منها كتابين في الصومال في حلقات العلم وهما:

1ـ جوهر المكنون في صدف الثلاثة الفنون

نظمها عبد الرحمن بن محمد بن محمد الصغير الأخضري المتوفى (983). وعدد أبياتها في حدود الثلاثة مائة بيت.

2ـ التلخيص في علوم البلاغة لمحمد بن عبد الرحمن القزويني(739).

وهذا الذي أدكناه على مشايخنا في دراسة البلاغة.

3 ـ عقود الجمان مع شرحها كلاهما للسيوطي.

 و هذا الكتاب هو من أهم كتب البلاغة في علم البلاغة والبيان وأبيات الكتاب في حدود ألف بيت، فما ترك الناظم في هذا الفن شاردة ولا واردة إلا أوردها فيه.

        ولا ينبغي الاستكثار من علوم الآلة لأنها كما قلنا سابقاً هي مفاتيح ووسائل وليست غاية في ذاتها، فإذا تحصل منها على المقصود انتقل إلى العلوم الشرعية لأن عمر العبد محدود فلا بد من صرفه فيما يكثر نفعه، ويكثر خيره على غيره، فلا يفعل ما يفعله بعض الناس من العكوف على علوم الآلة فإذا انتهى من دراستها جلس بقية عمره لتدريسها ولا ينتقلون إلى العلوم  الشرعية التي من أجلها وضعت هذه العلوم وقال بعضهم: النحو للعلوم كالملح  للطعام، فعدم الملح في الطعام يجعل الطعام بلا طعم، والإكثار من الملح في الطعام يفسده.

        ملحوظة: ليست هذه الكتب التي ذكرناها في علوم الآلة هي آخر المطاف في تعلم العلوم العربية بل القصد منها أن الطالب قد وصل إلى مرحلة يمكن بعد ذلك الاعتماد على نفسه في الازدياد منها بنفسه بالمطالعة عليها، فإذا أشكل عليه شيءٌ منها رجع في فهمها إلى من هو أعلم بها منه، وإذا أمكن أن يقرأ بعض الكتب المطولة على غيره من العلماء كما جرت عليه عادة العلماء سابقاً إذ ليس من الممكن الإتيان على جميع الكتب بالتدريس.

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل

([1]) المزهر في علوم اللغة للسيوطي (1/ 11)

([2]) تاج العروس من جواهر القاموس (1/ 13)

([3]) التحرير والتنوير  (1/ 411).

([4]) تفسير القرطبي (14/ 18)

([5]) رواه  سعيد بن منصور وابن أبي شيبة.

([6]) الإتقان في علوم القرآن (2/179).

([7])  الرسالة (ص 125).

([8]) اقتضاء الصراط المستقيم ( 207).

([9])المحصول( 1/275).

([10])  توالي التأسيس ( ص 55 )  وانظر المناقب للبيهقي ( 1/ 95 )

([11] ) الرسالة ( ص 124).

([12]) المصدر السابق (3/35).

([13]) المجموع شرح المهذب (1/ 38)

[14]([14]) الرسالة (ص: 42)

Linkigan Hoose Kasoo Dagso Qoraalka oo PDF Ah .

Sidee Loo Bartaa Luqada Carabiga