كان من المفترض أن يكون الشعب الصومالي في مصاف الشعوب المتحضرة، على الأقل في قارة أفريقا لمِا يملكه من المقومات والمواهب، ولكن بكل أسف على العكس من ذلك، فهو لا يزال يُراوح في مكانه من يوم أن وصل إلى هذه المنطقة من القارة الإفريقية لأنه مشغول بالتقاتل فيما بينه عن تطوير بلده حتى قال بعض المبالغين في التشاؤم: لو بُعث أبونا آدم عليه السلام، واطَّلع على كل القارات لما عرف منها إلا المنقطة التي يسكنها الصوماليون لأنها بقيت على ما هي عليه يوم أن خلق الله الأرض ومن عليها، فلم يتغير شيء من معالمها، ولهذا فلا يختلف اثنان في أن الشعب الصومالي بحاجة إلى إصلاحات جذرية، والإصلاحاتُ لا تقوم إلا بمُصلحين إذ المشاكل لا تنحل بنفسها.
لهذا هناك أطراف محلية تتدافع في الساحة الصومالية، وتتنافس فيما بينها لإحداث تغييرات تُمهِّد الطريق لتلك الإصلاحات لكن كلٌ على طريقته الخاصة، وحسب رؤيته للمشروع الإصلاحي.
فأولهم الإسلاميون يرون أن إصلاح المجتمع الصومالي يَمُرُّ عبر الإسلام الذي يؤمن به الشعب الصومالي عقيدةً وشريعةً، وأن مشروعهم الإصلاحي واضحُ المعالم، وقد جُرِّب في قرون مضتْ بحيث عالج مشكلات أكثر تعقيداً كمشكلة جاهلية العرب التي كانت هي أشد تعقيداً من المشكلة الصومالية، عالجها في مدة وجيزة حتى جعل هؤلاء العرب الذين لم يكونوا يتميزون عن بهيمة الأنعام كثيراً، جعلهم أمةً تقود الأمم بوحي السماء، وقضتْ على أكبر إمبراطوريتين في ذلك الوقت (الروم والفرس) في ظرف عشرين سنة، فمثل ذلك الإصلاح تعجز عنه الأمم مجتمعة في قرون من الأزمنة ناهيك عن أمة كانت تصنع إلهها بيدها، ثم إذا جاعت أكلته. وعلى العكس من الإسلاميين هناك علمانيون يرون أن الإصلاح في الصومال لن يتحقق إلا بالتخلي عن الإسلام، والعادات والأعراف، وعن جميع موروثات الشعب، وعندها فقط يمكن في نظرهم أن يتقدم الشعب الصومالي ويتطور، ويلحقَ بالركب الغربي المتقدم مستدلين بالدول الأوربية، فإنها حين تخلت عن الكنيسة، وخرجت عن قبضتها، وسلكت طريقاً مغايراً لها استطاعت أن تصنع بعقليتها تلك الإنجازات العلمية التي لم يُسمع بمثلها في التاريخ.
وبين هؤلاء وأولئك الديمقراطيون وأصحاب الحريات يرون أن مشكلة الصومال في الاستبداد وإلغاء الآخر، والانفراد بالحكم من قبل شخص واحد، فالحل عندهم يكمن في تبادل السلطة، وإشراك الجميع في حكم البلاد، والأخذ بمشورتهم في الإصلاح، فتلك الاتجاهات الثلاثة هي الرئيسة في الساحة الصومالية، وما كان خارجاً عنها في الظاهر، فإنه يعود إلى إحداها في نهاية المطاف، ولنخصص لكل واحد منها بمقال خاص بها.
الإسلاميون ورؤيتهم في الإصلاح
الإسلاميون هم رُواد الحضارات في كل العصور، ومشروعهم لا يعرف الحدود، بل يمتد من الأرض إلى السماء، ومن الدنيا للآخرة، فلا يرتبط بأشخاص بأعيانهم بحيث ينتهي بانتهائهم، ولا بسياسة حزبٍ تتغيرُ بتغير توجُّهات الحزب، بل هو مشروع عالمي يساهم فيه كل من آمن به حتى يرث الله الأرض ومن عليها إنقاذاً للبشرية من الضياع في الدنيا، والهلكة في الآخرة، فمشروعهم أكبر من أن يُستَغل لمصلحة فرد، أو جماعة في وقت من الأوقات.
والمشروع الإسلامي ربانيُّ المنشأ، إذ هو منزل من السماء، ثم جرى العمل به بدءاً بنبي الله آدم، ومروراً على جميع الأنبياء والمرسلين، وانتهاء بنبي الله محمد عليهم السلام، فكل منهم كان يستأنف العمل من حيث انتهى إليه مَن قبله من الأنبياء، قال النبي r: (مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى بيتاً، فأحسنه، وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون به، ويُعجبون به، ويقولون هلا وضعت هذا اللبنة، فكنت أنا تلك اللبنة».
فالمشروع الإسلامي واضح المعالم تمت تجربتُه عبر العصور، فنتائجه مضمونة العواقب، لا يحتاج منا غير السير عليه بصدق وإخلاص، ثم الصبر عليه في تنفيذه حتى نصل إلى الهدف المنشود منه إما على أيدينا، أو على أيدي مَن بعدنا حتى يتحقق الموعود به من عند الله في الكتب المنزلة قال تعالى:(ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون).
هذا فيما يتعلق بتاريخ المشروع الإسلامي، وأنه أقدمُ مِن كلِّ المشروعات التي يُروِّج لها المنظرون في هذا العصر على أنها هي الأنسب للإنسان المعاصر، ولسنا نتكل على الماضي للتسلية به عن الإخفاقات في الحاضر، بل إننا ندعي مِن دون خوف أن المشروع الإسلامي هو الوحيد القائم بأعباء الأمة بكل إخلاص وثبات، ولنضرب على ذلك بأمثلة من خلال الواقع الذي نعيشه، وقد تكالبتْ الأعداءُ على الشعوب المسلمة، فهي بحاجة إلى مشروع إنقاذ.
فالمشروع الإسلامي ليس بمشروع إصلاحي دنيوي فقط بل هو إصلاحي دنيوي وأخري، ومن خصائصه أنه ليس بمشروع مستورد من الشرق والغرب، بل هو مشروع ورثه الشعب الصومالي أباً عن جد لأنه نابع من عقيدة الشعب الصَّومالي ورؤيته عن الخالق وعن الكون، فمشروعهم يملك رصيداً من المصداقية، فلا يحتاج من أحد أن يشرحه للشعب الصومالي.
فإذا أخذنا الشريعة كمنهج حياة فإن كل المشاكل التي يعاني منها الشعب توجد لها حل في شرع الله، فهي تعالج جميع جوانب الحياة: العقدية، والتشريعية، والأخلاقية، والاقتصادية، والاجتماعية، فلا تُهمِل جانباً على حساب جانب آخر، وبهذا استطاعت الشريعة الإسلامية أن تلبِّي جميع حاجات البشر في جميع العصور والأزمنة، وأن تُوفِّق بين حق الله وحق نفسه، وبين روحه وجسده، وبين فرديته وجماعته، وبين دنياه وآخرته، فلا بد من إخضاع ذلك كله لشرع الله امتثالا بقول تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}[البقرة: 208].
وبذلك امتازت الشريعة الإسلامية على غيرها من النُظم الأخرى التي أسسوها وفق تصوراتهم القاصرة المحدودة، فتجاهلت الجانبَ الروحيَّ، والأخلاقي في بناء الفرد والمجتمع، فتقدَّمَ الإنسانُ عندهم مادياً لكنه تأخر روحياً حتى نزل إلى مستوى البهائم في شهواته حتى صار عرضة للانقراض.
إن كثيراً من الناس في هذا العصر لا يعجبه التنظير لإثبات نجاح أيِّ مشروع من عدمه بل الذي يطلبه أن تضع يده على إنجاز ملموس يراه، ويسمع به لا يجادل فيه أحد إلا مكابر أو معاند، فنزولاً عند رغبة هذا الصنف من الناس لن أذكر له ما تحقق للمشروع الإسلامي منذ بدايته على يد النبي r ومَن بعده من أتباعه إلى الخلافة العثمانية التي تملَّكت نصف الكرة الأرضية المعمورة من دون منازع، ولكني أُذَكِّرهُ بالدور الذي لعبه المشروع الإسلامي في القرن الماضي الذي يُعَدُّ أشد القرون تعقيداً على الأمة الإسلامية لأجل الاحتلال الغربي على معظم أجزاء الوطن الإسلامي من شرقيه إلى غربيه، ومن شماله إلى جنوبه، ولننظر إلى دور المشروع الإسلامي في تحرير الوطن من الاحتلال ومن عملائه.
المشروع الإسلامي في القوة ومصارعة الأعداء
وفي ميدان القوة ومصارعة الأعداء، فالمشروع الإسلامي هو الوحيد الباقي في الساحة في حين تهاوتْ بقيةُ الأنظمة الأخرى كالقومية، أو الاشتراكية، أوعلمانية في المنطقة، وأنا أضرب على ذلك بثلاث صراعات، هي أبرز ما حدث في القرن الماضي في الوطن الإسلامي، أولاها: القضية الأفغانية، والثانية، قضية فلسطين المحتلة، الثالثة: قضية الصومال.
ففي القرن المنصرم دخلت الدول العربية مجتمعةً في حربين مع الدولة اليهودية التي لم يكن عدداها يتجاوز وقتها ثلاثة ملايين، وبعد مواجهات بين الفريقين انتهت الحرب بهزيمة مُدوِّية للدول العربية في ستة أيام فقط بما عُرف بنكسة حزيران عام (1967م) وعلى إثرها استولت دولة اليهود على مزيد من الأراضي العربية من جميع الدول المجاورة، فاستولت من مصر شبهَ جزيرة سيناء وكان منها قطاع غزة، واستولت أيضاً على الضفة الغربية، ومن الأردن ضمت إسرائيل معظم وادي الأردن المعروف بغور الأردن إلى أراضيها كما استولت من سوريا هضبة الجولان، ومن لبنان كل الجنوب.
وهذا كان حال الدول القومية العربية بجميع جيوشها فلم تستطع رغم إمكاناتها الهائلة، وتفوُّقها العددي على العدو الإسرائيلي أن تحمي أراضيها من عدوِّها ناهيك أن تُحرِّر فلسطين المحتلة، ومن ذلك الوقت رفعت الدول العربية الراية البيضاء إيذاناً منها الاستسلام المطلق للكيان الإسرائيلي دون شرط، أو قيد.
وفي المقابل تعالوا ننظر إلى النموذج للمشروع الإسلامي في المقاومة، ولنبدأ بحركة طالبان لأننا نعيش أحداثها اليوم، وهي امتداد للجهاد الأفغاني مع الاتحاد السوفييتي الذي استمر عشر سنين، فانتهى ليس بهزيمة الاتحاد السوفيتي بل إلى تفككه إلى دويلات، وخرج من عباءته الجمهورياتُ الإسلامية، وقد شارك بعضٌ من أفراد حركة طالبان في ذلك الجهاد، وقد برز دورُ حركة طالبان كقوة فاعلة في الساحة حينما انقسم المجاهدون، وتقاتلوا فيما بينهم على حكم البلاد، وعندها شمَّرت الحركةُ عن ساعد الجد، واستعانت بالله على قتال هؤلاء الذين حرموا الأمة من ثمرة الجهاد الطويل مع الاتحاد السوفييتي، وفي مدة وجيزة هزمتْهم جميعاً، وقضت عليهم، وعلى إثر ذلك بسطت نفوذها على جميع الأراضي الأفغانية ما عدا وادي بانشير (بنجشير) كما هو معلوم.
ثم دخلت أمريكا في الخط بعد هزيمة الاتحاد السوفييتي، ومعها الدول الأوربية جميعها، وبعد عشرين عاماً من الحرب مع حركة طالبان أعلنت أمريكا هزيمتها أمام حركة طالبان لأن أمريكا عجزت عن تَحَمُّل تبعات الحرب لأن كُلفة الحرب فاقت كلَّ التصورات، فبلغت حصيلةُ القتلى في صفوف الجنود إلى ما يزيد على أربعة آلاف مع خسارة ثلاثة تريليونات من الدولارات، فأمريكا التي كانت أغنى دولة في العالم أصبحت اليوم مدينة، فقررت أمريكا الانسحاب من الحرب دون تنسيق مع حلفائها لأنها أدركت إن هي استمرت على القتال في أفغانستان أنها هي الأخرى ستنهار كما انهار الاتحاد السوفييتي، فاضطرت إلى الانسحاب من الحرب دون تحقيق أيِّ هدف من الأهداف التي من أجلها دخلت الحرب مع طالبان في افغانستان.
وبعد خروج أمريكا لم تستطع الحكومة الأفغانية العميلة لأمريكا أن تثبت أمام حركة طالبان في أسبوع، فتهاوت، ثم اختفت من الوجود، ولم يُجدها نفعاً ذلك العتاد الهائل الأمريكي الذي كان بحوزتها، والنماذج كثيرة، وإنما أردنا فقط ضرب الأمثلة على قليل منها مما لا يمكن لأحد أن يَجحده، أو ينكره لأننا نعيش أحداثها، وهي ماثلة أمامنا، فنراها بأعيننا، ونسمع بآذاننا.
أما حركة حماس الإسلامية فهي التي تحكم اليوم قطاع غزة على مساحة صغيرة من الأرض لا تتجاوز طولها (41 كيلو متر) وعرضها لا يزيد على خمسة عشر كيلو، وكان قطاع غزة تابعاً للإدارة المصرية إلا أن إسرائيل عام (1967م) احتلته، وضمته إلى أراضيها، ومن حينها أصبحت غزةُ مركزاً للمقاومة والجهاد مما اضطر إسرائيل أن تنسحب منه من جانب واحد في عام (2005م).
وفي الانتخابات التي جرت فيها بين الفصائل الفلسطينية عام (2007) فازت فيها حركة حماس، إلا أن حركة الفتح لم ترض بنتيجة الانتخابات، ومن ثّمَّ حاولت أن تأخذ القطاع من حماس بالقوة لكن حصل العكس، فقد سيطرت حركة حماس على القطاع بالكامل، فغضبت إسرائيل من ذلك النصر للحماس، ففرضت على قطاع غزة حصاراً براً، وبحراً، وجواً، ولما لم يُجد ذلك نفعاً شنتْ إسرائيلُ على القطاع حروباً متعددة استخدمت فيها كل الأسلحة الفتاكة والقنابل المحرمة دولياً، ومع ذلك لم تستطع إسرائيل بجبروتها أن تأخذ قطعةً من قطاع غزة، وبذلك استطاعت حركة حماس أن تقوم بمفردها ما عجزت عنه الدول العربية مجتمعة، فأراضي غزة اليوم حرة أبية في حين لا تزال الضفة الغربية بقيادة عباس أبي مازن، وجميع الأراضي التي استولت عليها إسرائيل عام (67) في يدها حتى الآن إلا أرض سيناء أُرجِعت إلى مصر بالمفاوضات بشروط مهينة على أن تكون منزوعة السلاح.
وأما المحاكم الإسلامية في الصومال فقد نشأت في وقت وصلت الأمور في جنوب البلاد إلى طريق مسدود، فبعد سقوط الحكومة المركزية تفرقت كلمة الشعب، وضعُفت شوكته، وسقطت هيبتُه من أعين الآخرين، فتكالبت عليه أعداؤُه من كل الدول المجاورة، كلٌ يحاول أن يحظى بأكبر نصيب من الأراضي الصومالية المتبقية، وقد استُقطع كثير منها قبل استقلاله عام (1960) فوظف كل طرفٍ مجموعة من العملاء من أبناء البلد لتحقيق ذلك الهدف، فنشأ في كل الأقاليم بما عُرف بزعماء الحرب.
وكان بالعاصمة وحدها ما يزيد على ثلاثة عشر من زعماء الحرب على عدد حارات العاصمة، ولكل منهم مجموعة من المليشيات تسيطرُ بهم على منطقة من العاصمة، وكانت المواجهات بينهم مستمرة، تتحكم فيهم أثيوبيا، فتضرب بعضهم ببعض لقصد إبقاء الوضع على ما هو عليه، ومنع قيام حكومة مركزية صومالية من جديد.
فما زالت أمريكا تتودد إليهم بكل ما هو ممكن، وتشدُّ من أزرهم ليس ذلك رحمة بهم، وإنما لتسخيرهم للقيام بمحاربة المحاكم بالوكالة عنها إلى انتهى بهم المطاف إلى تأسيس تحالف ضد الإرهاب فيما زعموا، في بداية عام ( 2006 م). واعتقدَ الزعماءُ بذلك التحالف وبالدعم الأمريكي أنهم قادرون على القضاء على المحاكم الإسلامية بكل سهولة، فملأوا الدنيا جعجعة.
إن المحاكم الإسلامية قد دخلت مع زعماء الحرب في مواجهات مريرة انتهت بهزيمة زعماء الحرب وخروجهم عن الساحة بالكلية، ولم يُجدهم نفعاً وقوفُ الدول المجاورة معهم ودعم أمريكا، وبقضائها على زعماء الحرب، ورفع الحواجز، وتوحيد معظم مناطق الصومال في جنوب البلاد أثبتت المحاكم بكل جدارة للعالم أجمع أن شريعة الله هي القادرة على حل الأزمات المستعصية، وبذلك أعطت صورة جميلة، وسمعة حسنة عن رجال الصحوة بمختلف توجهاتهم إذ حقق الله على أيديهم هذا الإنجاز العظيم للأمة، فأحبهم الشعب وما يدعون إليه من المبادئ، وفي مدة وجيزة سيطرت المحاكم على نصف البلاد، وكان بإمكانها أن تسيطر على بقية البلاد لولا تدخل القوى الكبرى بالتعاون مع القوى الإقليمية من أجل إجهاض مشروع المحاكم الإسلامية.
وأنا أتحدى أن يوجد أي حزب سياسي غير إسلامي، أو تيار علماني، أو اشتراكي، أو قومي عربي يستطيع أن يبذل كل التضحيات في سبيل الدفاع عن ثوابت الأمة وعن أوطانها، وليس لتلك الأحزاب إلا شعارات براقة تحت مسميات مختلفة ترتفع كبالونات منفوخة، أومفرقعات هوائية، فإذا أُخضعت للاختبار في مواجهة واحدة مع العدو تبخرت، واختفت مِن على الوجود.
مجال التعليم والتنمية وتقديم الخدمات للمجتمع
أقتصر هنا على الصومال الذي بقي بدون حكومة مركزية لثلاثين عاماً مضت كنموذج على الدور الريادي للتيار الإسلامي بمختلف توجهاته في تنمية المجتمع، ورفع مستوى الوعي لديه.
إن نجاح الصحوة الإسلامية في الصومال لم يكن قاصراً على مجال المحاكم الإسلامية كما يظنه كثير ممن ليسوا متابعين للنشاط الإسلامي في الصومال بل هذا النجاح سبقه نجاحاتٌ أخرى في مجالات متعددة، فمجال التعليم من مدارس، وجامعات، ومعاهد علمية كلها كانت بأيدي رجال الصحوة عموماً.
إن رجال الصحوة في الصومال هم عصب الحياة، وعليهم الاعتماد بعد الله في تصريف شؤون الحياة بمختلف مجالاتها في حين أن غيرهم إما فقير مُعدَم دفع كل ما يملكه في أكل شجرة القات كما هو حال كثير من الصوماليين، وإما أن يكون من المليشيات قطاع الطرق يعيشون على ما يأخذونه من الناس عن طريق الغصب بقوة السلاح، وإما أن يكون من الزعماء ممن لهم علاقات بجهات خارجية مشبوهة تَدِرُّ عليهم بأموال هائلة مقابل قيامهم بأعمال تخريبية خدمةً لأعداء الإسلام، وطمعاً في المزيد من حطام الدنيا.
فمعلومٌ أن الصحوة الإسلامية الحديثة وصلت إلى الصومال في بدايات السبعينات من القرن الماضي الميلادي، ومشروعُهم الإصلاحي قد تجاوز منطقة الكلام، والتنظير إلى إنجازات ملموسة في أرض الواقع، ومنها على سبيل المثال:
1ـ تغيير مفاهيم الناس نحو الإسلام
في مجال دعوة الناس إلى الإسلام، فقد أحدث التيار الإسلامي نقلة نوعية، استطاعوا من خلالها بتوفيق الله تغيير مفاهيم الناس عن الإسلام، فبعد أن كان الإسلام زمن الاحتلال وبدايات الاستقلال محصوراً في بعض الشعائر التعبدية التي هي بين العبد وربه بعيداً عن إدارة شون الحياة بمختلف مجالاتها، فقد أسمعت الصحوةُ الإسلاميةُ الجماهيرَ خطاباً مختلفاً تمام الاختلاف، وبذلك وضعت الصحوةُ يدها على مكان الجرح، ومشكلات الأمة مما جعل الأمة تفيق من سباتها العميق طوال قرنين من الزمن، وأفهمت الصحوةُ الأمةَ بأنه ليس من اللائق بها أن تبقى في ذبل الأمم، وقد أريد لها أن تقودها بوحي من السماء، ولذلك نفضت عنها غبار الكسل والتبعية، فبدأت الأمةُ تفكر بطريقة مختلفة عما كان عليه قبل مما جعلها تدرك بكل وضوح الهدف من وجوها على هذا الكوكب، ومن ثم بحثت عن الوسائل الموصلة إليه رغم قلة إمكاناتها، وقد قطعت الأمة شوطاً كبيراً في هذا المجال.
2ـ التعليم والتربية والاقتصاد.
ومن المجالات التي نجحت فيها الصحوة الإسلامية: الاقتصاد بشقيه الفردي، والمؤسسي، فشركات البناء، والتجارة الدولية تصديراً، وإيراداً والاتصالات، والمواصلات، والمؤسسات المالية، والكهرباء والمياه وغيرها كلها بأيدي رجال الصحوة، وكذلك التعليم، فهم القائمون عليه اليوم من الابتدائية إلى الجامعات بمختلف التخصصات فالتيار الإسلامي في الصومال يقو بدور الدولة في تقديم كل الخدمات التي يحتاجها إليها الشعبُ الصومالي.
وفي مجال السياسة فالصحوة الإسلامية هي الأبرز والأوفر حظاً إلا أن القبلية البغيضة المستغلة مدعومة من الخارج هي العائق الوحيد أمام المشروع الإسلامي السياسي أن ينجح في الصومال، فالصحوة الإسلامية وقد صنعت كل تلك الإنجازات مع الضغوطات الدولية، والإقليمية المتآمرة عليها هي قادرة على تخطِّي كل تلك الصعاب والعراقيل بسهولة لوكانت جبهاتها الداخلية متماسكة ولكن بكل أسف، فهي منقسمة على نفسها بحيث تتوزع في مسميات مختلفة، كلٌ منها يرى أنه على الصواب، وهذا قد استهلك منها جهداً كثيراً، وكلها أتعاب إضافية شغلها عن رسالتها الحقيقية في إنقاذ الأمة من رطتها.
وأماالعلمانيون، والقبليون، والديمقراطيون فهم عديمو التأثير في الساحة رغم التأييد الدَّولى، والدعم اللامحدود الذي يتلقونه بسخاء من الهيئات العالمية ليس حباً فيهم، ولا في البلد التي يعملون فيه، ولكن لقصد إضعاف التيار الإسلامي الجارف، أو على الأقل تأخيره عن الوصول إلى أهداف، ولو لسنوات عدة.