الحرية المطلقة من لوازم الديمقراطية

الحرية المطلقة من لوازم الديمقراطية

الحرية في الأصل مطلبُ كلِّ الأحياء، وليس العقلاء وحدهم، فالوحوش وما دونها من البهائم تتعارك فيما بينها رفضاً للسيطرة عليها بالقوة من قبل غيرها، فإن لم تتعايش بسِلم تهاجرت، وتمايزت، فإذا كان هذا شأن غير العقلاء من الحرية، فما بالك بالعقلاء من بني البشر الذين أكرمهم الله بالعقل، وفضلهم على كثير ممن خلق، واستخلفهم في الأرض، وأنزل عليهم الكتب، وأرسل إليهم الرسل، كل ذلك ليتحرروا من عبادة العباد لعبادة رب العباد، وفي ذلك يقول تعالى: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون).

فاستعباد الإنسان من مثله من بني البشر قمةٌ في الاستبداد، تتفق البشرية على مقاومته بأشكاله، ورضوخُ مجتمع معين للاستبداد في فترة من الفترات بالقوة لا يعني بالضرورة أنه يرضى به بل يبقى قنبلة دفينة في قلوب المستضعفين قد تنفجر في أي لحظة على المستبدين، فلا تستثني أحداً، فيكتوي بنارها الجميع، فلا ينجو منها أحد.

ولهذا فإننا لسنا بحاجة إلى تعريف الناس بأهمية الحرية في حياة الناس بقدر ما نحتاج إلى تعريفهم بنوع الحرية التي ينشدونها حتى لا تُوصلهم إلى نتائج عكسية تفوق على مضار الاستبداد أقول ذلك: لأن مفهوم الحرية عند بعضهم أن يفعل كل ما تهواه نفسُه بلا حدود، ولا رقابة، فينزل المتعاطي بها على هذه الطريقة إلى مستوى أحطَّ من مستوى البهائم، فبذلك يفقد خصائص البشر، فيعيش بلا دين، ويتحرك بلا هدف، ويأكل ويشرب من غير تمييز، (والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم).

.

وقصدي من الكلام على الحرية المطلقة أمران:

الأول: ان المهزومين الذين يسعون وراء سراب الحرية المطلقة يعزون كل الإحباط الذي تعيشه الأمة إلى فقدان الحرية، فصارت شغلهم الشاغل          في يومياتهم، فلا يطيب الكلام عندهم إلا عنها، فإذا نُوقش أحدُهم في مساوي الحرية التي ينشدونها من خلال واقع الدول التي تمارسها كمنهج حياة بادَرَك بالجواب بأن مجتمعنا مسلم مائة بالمائة، ولن يرضى بحال من الأحوال أن يهبط بالحرية إلى ذلك المستوى، ولن يأتي فيها بما يخالف دينه وقِيَمَه أبداً، فلنثق بشعبنا، ولنأخذ بالحرية المضبوطة بالضوابط الشرعية،

نريد أن نسأل هذا الشخص الذي يفهم الحرية هذا الفهم، فنقول: نراك تلجأ إلى الإسلام لضبط الحرية المطلقة إذا تجاوزتْ بك الحدود، فلم لا تنادي الناس إلى الإسلام بدلا من الحرية تلك، أليس فيه منهج متكامل تكفَّل الله فيه للناس بالحرية المضبوطة حتى تستغني به عن الحرية المستوردة التي لا تتفق في كثير من أُطرُوحاتها مع الإسلام، والحرية بمفهومها الحالي المعاصر تحارب الإسلام في أخص خصوصياته حتى تصير الحرية إلاهاً يُعبد من دون الله، فلو سئل أحدهم عن ارتكابه للموبقات أجابك ومن غير تردد أنا حرٌّ فيما أفعل، وأنت على علم أن الله لا يقبل من العبادة إلا ما كان خالصاً لوجهه، فمن عمل عملا أشرك فيه غيره تركه وشركه،.

الأمر الثاني: إن الاعتماد على الشعوب في ضبط الحرية مراهنةٌ غير مأمونة العواقب، فكم من الفساد الأخلاقي، والإداري، والعقدي ينتشر في أوساط الشعوب المسلمة في عهد الاستبداد وفي عهد الحريات على حد سواء، فأين دور الشعوب المسلمة من ضبط ذلك بالضوابط الشرعية، وقد زعمت أن الشعوب لن ترضى بما يخالف دينها وقيمها، فأنا أستطيع أن أزعم أن معظم الشعوب التي تنتمي إلى الإسلام اليوم تعادي الإسلام أكثر من معاداة قادتها، وبالمثال يتضح المقال، فها هو الشعب السوداني بالأمس القريب قد ثار على حكومة الرئيس عمر البشير، فأسقطها في وضح النهار، ثم اختار حكومة من بين الثائرين عليها، فكان أول عمل قامت به الحكومة الثورية أن أقصت الشريعة الإسلامية عن الحياة في جميع المجالات، واستبدلتها بالعلمانية، ونادت بصريح العبارة بفصل الدين عن الدولة، فهل فيما قامت به الثورة السودانية ضبط للحرية بالضوابط الشرعية أم إفساد للدين باسم الحرية.

كثيرون يطلبون الحرية لا لحاجة في نفسه بل هو إمعة لغيره ممن حوله، فيجدهم يكررونها، فيكررها معهم بلا وعي، فيركب الموجة من غير رشاد، ويستورد المصطلحات من غير تمييز، ولو سئل عن الحرية التي ينشدها لأتي بما لا يتفق معه أحد في معنى الحرية، فهو عنها في عمى.

 فالحرية المطلقة ليس لها حدود تنتهي إليه ففي الحرية المطلقة تبيع المرأة جسدها لمن تريد، أو تهبه لمن تهواه، بل ترى نفسها في ذلك أنها صانعة المعروف، وفي الحرية المطلقة يتزوج الرجل بمثله، والمرأة بمثلها، بل يتحول الرجل إلى امرأة، والمرأة إلى رجل إن شاء، وفي الحرية المطلقة يختار المرء من الأديان ما يناسب هواه، وله فيها كامل الحرية أن يستبدلها بغيرها من الأديان والملل الأخرى متى شاء، ثم له أن يسب الإله الذي يؤمن به، والدين والرسل جميعاً دون أن يخشى تبعات ذلك على نفسه من أحد.

 وفي الحرية المطلقة يفتح التجار المواقع الإباحية توسعة لتجارتهم، وينشرونها على الملأ مجاناً لكل من أراد مشاهدة ذلك جذباً للزبون، ثم لا يهمهم بعدها ما يترتب على ذلك من الخراب والدمار للبشرية جمعاء، فالحرية بهذا المفهوم أسوأ من الاستبداد بمراحل، فلئن يلقى الرجلُ ربَّه مقتولاً بظلم في الاستبداد أهون عليه من أن يلقى الله، وهو فراش لرجل مثله، فلن أطيل عليكم سرد المخازي التي انتهت الحرية المطلقة بمن اختارها كمنهج حياة كالدول الغربية، ومن يدور في فلكها، وهذا الذي ذكرناه عنها غيض من فيض، وقليل من كثير.

الحرية المطلقة مع تلك المخازي والمساوي هي بيد الدول الغربية كالديمقراطية يستخدمونها وسيلة لزعزة الدول الفقيرة، فكلما مدَّت يدها إلى تلك الدول الغنية لمساعدتها، قالوا لها بشرط أن تقوم بإدخال إصلاحات في نظام الحكم عندكم، والتي يأتي في مقدمتها إعطاء مزيد من الحرية لا سيما النساء، وكلما نفذ النظام منها شيئاً قالوا له، أنت في بداية الطريق، ولكن بقي عليك كثير، ولا يزالون يطالبونه بمزيد من الحرية حتى يخرج النظام عن المألوف من كل ثوابت المجتمع من الدين، والأعراف، والعادات، فيعارضه الشعب في ذلك، فيستخدم معهم القوة لفرض الهيمنة على الكل بالقوة، فتعود المسألة إلى مربعها الأول، فتندد الدول الغربية بتلك التصرفات للنظام، ويصفونه بالدكتاتورية غير مقدرين لكل ما قام به ذلك النظام.

 وهم يعلمون قبل غيرهم أنه من أجل توجيهاتهم فعل كل ذلك، وحينما أوصلوه إلى ذلك لحضيض تخلَّوا عنه في وقت هو بأمس الحاجة إليهم، فتقع العداوة بينه وبينهم، فيحد النظام نفسه وحيداً ليس معه حبل من تلك الدول الغنية، ولا حبل من شعبه كيف وقد حاربه في خصوصياته، فتصل به الأمور إلى طريق مسدود يصعب معه الاستمرار في حكم البلاد، ولا يكون معه الشجاعة الكافية في تسليم مقاليد الحكم إلى غيره، بل يتشبث بها إلى الرمق الأخير، فينتهي به الأمر إما بالانقلاب عليه، أووضعه في السجن إلى الأبد، أو هروبه من البلاد ليعيش في المنفى بقية حياته إنه مسلسل نشاهد فصوله كل يوم، فالمتأخر لا يعتبر بالمتقدم، ولا المتقدم يترك فرصة لمن بعده، هي حلقة مفرغة لا يُعلم أولها من آخرها، فالشعب في كل الأحوال هو الذي يدفع الثمن في كل تلك التدافعات، ولن نخرج من تلك الدوامة العنيفة حتى نعود إلى هدي الله المنزل من السماء، فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وسيتحقق ذلك إن عاجلا أو آجلا، فذلك وعد الله، فهو وإن تأخر لسبب من الأسباب فلن يتخلف (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون).

فنحن إن لم نستطع بفعل شيء في إصلاح الأمة فلا أقل من أن نكف شرنا عنها، فلا نقوم بتضليل الشعوب بما لا طائل تحته، ولنكن صادقين معهم، وذلك يُحتِّم علينا أن نُقدِّم الإسلام كمشروع بديل عن كل المشاريع المستوردة، ولا نخلطه بغيره، فإن أفلحنا في ذلك فُزنا بخيري الدنيا والآخرة، وإن أخفقنا فيه أو في بعضه، فيكفينا أننا قمنا بما نقدر عليه، فنكون معذورين عند الله فيما عجزنا عنه، ولعله يأتي من الأجيال القادمة من يكمل المسيرة بالأمة حتى يتحقق بهم المطلوب.

ونحن حين نرفض تلك الحرية المستوردة المطلقة جملةً وتفصيلاً لا يعني أننا بذلك نؤيد الاستبداد والدكتاتوريات والملكيات المفروضة على أمتنا الإسلامية اليوم، فكثير من المثقفين يعتقدون أن لا واسطة بين الحرية المطلقة والاستبداد، وهذا هو جوهر الخلاف بيننا وبين هؤلاء، فأقول لهؤلاء وأولئك: بين الحرية المطلقة والاستبداد شرعُ الله المنزل من رب العالمين الذي لا يمكن أن تصلح البشرية إلا به لأن الذي أنزل الشريعة هو الذي خلق البشرية جمعاء، فهو وحده سبحانه وتعالى يعلم ما يصلح لنا، قال تعالى: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير).

القبلية في الصومال تقف في وجه الديمقراطية

القبلية في الصومال منعت الديمقراطية من مزاحمتها في الصومال، وأرغمتها على السير خلفها، والدخول في حضنها، والتقيُّد بأعرافها، ولا نملك نحن إلا أن نرحب بهذه المعركة بينهما، ونقول: اللهم اضرب القبلية بالديمقراطية، وأخرج المشروع الإسلامي من بينهما سالماً غانماً.

الصومال بلد عجيب استطاع أن يعيد روَّاد الحرية من أبنائه إلى حضن القبيلة وعاداتها وأعرافها، ذلك أن الصوماليين فروا من النظام الاشتراكي العسكري في كل الاتجاهات، وازدادت هجرتهم حينما اشتعلت الحرب الأهلية التي أتت على الأخضر واليابس، وعاشوا في بلدان الغرب ومارسوا حياتهم على طريقة أولئك القوم الذين لجأوا إليهم، وبعد الهدوء النسبي وعودة الحياة إلى البلاد من جديد رجع كثيرٌ منهم على أمل أن يتمكَّنوا من نشر الثقافة الغربية، ونمط حياتهم في البلاد، فرفعوا راية الحرية في ظل الديمقراطية اعتقاداً منهم أنه لن يتوصَّلوا إلى مقاصدهم إلا من خلالها لأن الحرية كلمة جميلة تحتمل أوجها متعددة من نمط الحياة، ولكن تلك الآمال تحطَّمت على صخور القبلية المتجذرة في الشعب الصومالي فبدلاً من مواجهتها بما لديهم من الثقافات الأخرى صاروا من دعاة القبيلة لأنهم وجدوا أن كل شيء في البلد يخضع لقوانين القبيلة وأعرافها، فحتى يتسنى للشخص أن يعيش في البلد، عليه أن يتكيف مع الوضع القائم، بل عليه أن يتجرد من كل المبادئ التي يؤمن بها ليثبت ولاءه وإخلاصه لأعراف القبيلة المتمثلة في شيخها.

فالشاب الصومالي الذي وُلد في أمريكا، أوأوربا، وقد تخرَّج في أعرق الجامعات هناك حتى حصل على أعلى المؤهلات العلمية في تخصصات نادرة تجده قابعاً عند شيخ القبيلة يترجَّى منه أن يُرشِّحه للمنصب الفلاني في الحكومة القادمة، ويقطع عهداً على نفسه أن يكون مُخلِصاً للقبيلة ووفياً لشيخها، ويحرص كل الحرص على أن لا يضيع حق القبيلة في كل موضع يكون فيه، وللبرهنة على صدقه في ذلك يلهج الشاب دائماً بذكر القبيلة ومفاخرها في كل الاجتماعات بل يلوم الآخرين من أبناء القبيلة على تقصيرهم في شأن القبيلة والدفاع حتى يخيل للسامعين أن الرجل تخصص في شؤون القبيلة والقبلية حينما كان في أمريكا أو في أربا.

وهذا درس لكل هؤلاء السطحيين من أنصاف المثقفين الذين يرددون الحرية، ويدعون إليها، ويطالبون الجميع بالاحتكام إلى قواعدها في الصومال دون أن يكون لهم من الوعي تشخيص أمراض المجتمع ما فيه الكفاية، فكل ما عندهم  هو القفز إلى النتائج دن أيِّ اعتبار لصحة المقدمات اللازمة للوصول، فكل الحريات بأنواعها المختلفة مصادرة في المجتمع الصومالي بأطيافه، فالأسرة تخضع لهيمنة الأب، وعلى الكل أن يكون طوع أمره دون اعتراض عليه، ولا مشاركة في الرأي، وذلك من تمام الرجولة في نظره، والقبيلة تحكم قبضتها الحديدية على الجميع من أفراد القبيلة، فليس لأحد أن يعارض شيخ القبيلة فيما يتخذه من قرارات، فهو المرجع لها في الحرب والسلم، ثم توسعت صلاحيته حينما تقرر تقاسم السلطة على أسس القبيلة، فشيخ القبيلة هو المرجع في اختيار من يمثل القبيلة في الحكومة،  فسلطته بهذا تكون أعلى من الوزير لأنه هو الذي عينه.

وليت الأمر توقف عند هذا الحد ولكن بكل أسف هناك سلطات أخرى أكثر تعقيداً من سلطة القبيلة، تتمثل في شيخ الطريقة وإمام المذهب العقدي، وإمام المذهب الفقهي، فشيخ الطريقة سلطته مطلقة لا تخضع لأيِّ سلطة أخرى لأنها مستمدة من الله كما يقوله هو، فهو وحده يعرف ما يُرضي الله عما يغضبه، فأسرار الشريعة مدفونة في سِرداب قلبه، فكان ذلك من المسلَّمات التي لا تخضع للنقاش، فمن لم ينتظم معه في طريقته تلك خاب مسعاه، فالقاعدة المسلمة لديهم أن من لم يكن له شيخ في طريقته فشيخه شيطان.

ثم تأتي سلطة المذهب العقدي فمن نصيب الشعب الصومال من تلك المذاهب المذهب الأشعري المنسوب لأبي الحسن الأشعري المتوفى (324 ) فعلى الأمة أن تتقيد بهذا المذهب، ولا تتعداه إلى غيره، ولو كان أصوب منها بل يحرم التفكير خارجه، والخروجُ عنه خروجٌ عن دائرة الإسلام الصحيح.

ثم تأتي سلطة المذهب الفقهي وهو الذي يمثل الجانب العملي لأحكام الشريعة، فنصيب الشعب الصومالي منه هو مذهب الإمام الشافعي، وقد اصطلح الناس في الصومال بدون سند شرعي أن من اختار مذ   هباً من تلك المذاهب الأربعة عليه أن يتقيد به، ويأخذ بكل ما فيه من خطأ وصواب، ولا يحق له النظر في غيره لأن ذلك يُفضي في نظرهم إلى الفوضى، وخلطِ المذاهب الفقهية، واختيار الأقوال بالتشهي إلى غير ذلك من التعليلات الواهية، فأمةٌ عليها كل تلك الأغلال يريد منها شاب ساذج أن تطالب حقها من الحرية في عهود الاستبداد وضبط الحرية في عهد الانفلات بالضوابط الشرعية، وهذا في الحقيقة قفز إلى الأمام دون أرضية صلبة تقف عليها الحرية.

فالإنسان بحاجة قبل كل شيء أن يعمل بفك تلك الأغلال التي صاحبت الأمة منذ نشأتها  فتبدأ بشيخ القبيلة فإن لم تسطع القضاء عله فعلى أقل تقدير أن تَحُدُّ من نفوذه في القبيلة، فتجعله محصوراً في المصالحة بين أفراد القبيل ومساعدة المعوزين من أبناء القبيلة، والحث على فعل الخير كمرحلة أولى.

وأما شيخ الطريقة فلا بد من تسليط الأمة عليه لتكفر به وبمشروعه لأنه نشأ في الأمة على حين غفلة من دينها، فاستغل ذلك الرجل حتى أوهمها أنه وكيل عن الله، فيُدخل الجنة من شاء من أتباعه، ويحرمها ممن يشاء من مناوئيه، فلا بد من الخلاص منه.

وأما المذهب العقدي المتمثل في المذهب المنسوب إلى الأشعري أو غيره فلا يعدو أن يكون أحد المذاهب الكلامية التي فرَّقت الأمة شيعاً، فلا قدسية لها، فكل فريق منهم يُبدِّع الآخر، أو يكفره، فلا مناص للخروج من هذه الدوامة العنيفة والعودة بالأمة إلى مذهب السلف الصالح في معينه الصافي، وما لم يكن يومئذ ديناً فلن يكون اليوم ديناً.

وأما المذاهب الفقهية، فهي متكافئة ـ فليس إحداها أولى من الثانية، وكلها تشتمل على رصيد من علوم الشريعة، فلا يُستغني عنها، ولكن الخطأ أن نختار منها واحداً ونتقيد بها، ونلغي البقية بلا حجة شرعية، فالواجب الأخذ بها كلها، والاستفادة منها جميعاً، فما منهم من أحد إلا وقد أصاب في بعض اجتهاداته، وأخطأ في بعضها الآخر، فلنأخذ منه ما أصاب، ولندع منه ما أخطأ فيه.

بقلم الدكتور/ عمر إيمان أبو بكر

رابط التحميل